اللّغة العربيّة من أبرز اللّغات وأکثرها جزالة في الألفاظ وقُدرةً على استيعاب المعاني، وهي واسعةُ المدى والبيان، وقد کان العرب سابقًا يتفاخرون بقدرتهم على نظم الشّعر وضرب الأمثال والبلاغة، وما زالَ اللّسانُ العربيّ فصيحًا حتّى اختلطت بالعرب عناصرُ من العجم الذين دخلوا في الإسلام؛ حيث أُعجمت الألسنة، فاحتاجَ الأمر إلى وقوف علماء العربية لضبط الألسنة وتقويم اعوجاجها، وتنقيحها.
واللّغة العربيّة مهمة لفهم آيات القرآن والحديث الشريف ومقاصدهما ومعانيهما بشکلٍ واضح، وتمتدّ أهميّة اللّغة العربيّة إلى العلاقة الوطيدة بينها وبين الثّقافة والهويّة الإسلامية، فهي وسيلة لفهم مقاصد الشريعة وأحکامها وکذلک سبيل من سبل التّواصل بينهم، وهي التي تُعبّر عن تفکيرهم، وبما أنّ اللّغة العربيَّة هي المسؤولة عن کلّ هذه الأمور فهي إذًا التي تُشکّل هويّة الأمّة الثقافيّة التي تُميّزها عن باقي الأمم، ويتميّز التّراث العربيّ باحتوائه على الکثير من المُؤلّفات العلميّة في شتّى المجالات، واللّغة هي وعاء العلوم، والتّکنولوجيا، والثّقافة، والتّاريخ، والحضارة، والهوية، والمشاعر، فإن استطاعت أمّةٌ المحافظة على لغتها ستکون من أکثر الأمم تقدُّماً وتطوّرًا([1]).
ألا وإن من أجلّ العلوم وأهمها: علم العربية إِذْ هي (خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة؛ إِذْ هي آلة العلم، وطريق معرفة الدين وفهمه)([2]).
ولما للنحو من أهميّةٍ ومکانةٍ صُنعت فيه المؤلفات، فمن مُکثرٍ، ومن متوسطٍ، ومن موجز.
وکان من بين تلک المتون المختصرة، والکتب المشتهرة، کتاب: (الْمُقَدِّمَة الآجرُّومِيَّة)، لمحمد بن محمد بن داود الصنهاجي، أبي عبد الله, (672هـ- 723هـ)، وهو نحويٌّ اشتهر برسالته (الآجرُّومية)، وقد شرحها کثيرون، وله (فرائد المعاني في شرح حرز الأماني)، ويعرفبشرح الشاطبية، وله مصنفاتٌ أخرى وأراجيز، مولده ووفاته بفاس([3]).
وقد شرحت الآجرُّومية عدة شروح منها:
1- متممة الأجرومية، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي، المعروف بالحطاب الرُّعيني (تـ: 954هـ).
2- شرح الآجرومية، للدکتور: حسن بن محمد الحفظي.
3- شرح الأجرومية لأبي مُحمَّدٍ، صالح بن محمد بن حسن آل عُميِّر, الأسمري, القطحاني.
4- شرح العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله شرحًا ممتعًا وواسعًا.
وقد نظمت الآجرُّومية؛ ليسهل على المتعلمين حفظها وتعلمها وممَّن نظمها:
يحيى بن نور الدين أبو الخير بن موسى العمريطي الشافعي الأنصاري الأزهري، شرف الدين (تـ: بعد 989هـ), وسماها (الدرة البهية نظم الآجرومية).
وهذا النظم الذي بين أيدينا لبار جوب السنغالي.
وقد أردتُ تحقيق هذا النظم لما لمست فيه من سهولة ويسر في الحفظ، ولأنه نظم لمتن لقي قبولاً لدى أوساط معلمي اللغة ومتعليميها وقد ذاع حتى تلقفه طلاب العلم بالحفظ والشرح والنظم.
وقد جعلتُ عملي في تحقيق هذا النظم في تمهيد وقسمين:
أولاً: التمهيد: وتحدَّثتُ فيه عن الشعر التعليمي, وسماته, والسنغاليين واللغة العربية.
ثانيًا: الدراسة, وتحدَّثتُ فيها عن الناظم، وموضوع المنظومة وسماتها, واسمها ونسبتها لصاحبها, وأهميتها.
ثالثًا: التحقيق, وتحدثتُ فيه عن وصف المخطوط، ومنهج التحقيق, ثم أوردتُ النص المحقق.
وصدَّرتُ هذا العمل بمقدمةٍ موجزةٍ, وذيَّلتُه بثبتٍ لمصادر التحقيق, وفهرسٍ للموضوعات.