يشهد العالم فى الآونة الأخيرة ما يسمى بالثورة المعلوماتية التى أدت إلى التقدم فى إنتاج المعلومات فى کافة مجالات الحياة البشرية، حيث أصبحت المعلومات سلعة وصناعة خلقت وراءها ما يعرف بسوق المعلومات الکونية والتى يتم فيها تبادل الخدمات والسلع مع الأفکار الإنسانية فى آن واحد.
وقد ارتبطت هذه الثورة المعلوماتية بثورة التکنولوجيا الاتصالية، حيث أدت زيادة المعلومات الى المزيد من التطور التکنولوجى، مما دفع بالمزيد من المعلوماتية ومن ثم ازدادت قدرات الأفراد فى التعامل مع الآخرين والتأثير عليهم، وذلک باستخدام وسائل الاتصال بصفة عامة ووسائل الاتصال الاجتماعي بصفة خاصة. (88، 4) *
حقيقة أن وسائل الاتصال الاجتماعي لا يقتصر استخدامها على تقديم المعلومات الفورية واعتبارها منصة تفاعلية للمناقشة والحوار، إلا أن الباحثين في التربية وطرائق التدريس طوعوها في شتى مناحي العملية التعليمية فأصبحت لها استخدامات عظيمة الفائدة على السواء.
حيث أشارSawetrattanasatian (106, 11:10) إلى أن أداوت الويب 2.0 التکنولوجية جذبت الکثير من الاهتمام في الآونة الأخيرة کأداة رائعة لتدريس محو أمية المعلومات، وخاصة في المکتبات الأکاديمية. کما أشارKist (102, 11:10) إلى أن الاتصالات الإلکترونية، سواء من خلال الفيسبوک وتويتر والرسائل النصية، أو حتى البريد الإلکتروني، أصبحت جزءاً من حياة مئات الملايين من الناس في السنوات العشر الماضية.
وأوضح Okoro (105) أن التواصل الإلکتروني والشبکات الاجتماعية تعد أدوات فعالة ومفيدة في عملية التعليم والتعلم؛ حيث حسنت على نحو متزايد جودة مخرجات التعلم لدى الطلاب في التعليم العالي في السنوات الأخيرة، کما أنها تعزز من خبرات وأنشطة التعلم التعاوني لديهم. وکذلک دراسة Custin& Barkacs (100) التي أشارت نتائجها إلى أنه يمکن لمدونات الحوار blogs)) أن تقلل من الحواجز المصطنعة بين الأجزاء المختلفة للمقرر الواحد، إضافة إلى تقديمها أساساً للتعلم الدائم.
وعلى الرغم م ن أن مصر تحتل المرکز الأخير عالمياً بالنسبة لمتوسط سرعة الإنترنت، إلا أن نسبة کبيرة من عدد سکانها يستخدمون الإنترنت، حيث اذدادت هذه النسبة من 38.6% عام 2016 (101) إلى 51.9% عام 2017 وذلک حسب تقرير موقع WE ARE SOCIAL الخاص بمراقبة وضع الإنترنت في العالم، حيث يستخدم 30% منهم مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، مثل فيس بوک، وتويتر، وإنستجرام، وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي. ولا يقتصر استخدامهم على الديسکتوب فحسب، بل يتعدى ذلک إلى الموبايل والتابلت أيضاً. (124)
وقد انتشرت شبکات منتديات التعارف بشکل کبير في الآونة الأخيرة؛ وذاع استخدامها في مجالات حوار إلکتروني متعددة، وذلک لما أفادت به من تقريب المسافات بين البشر وإيجاد أنواع من التعارف والصداقات ومساهمتها في تطوير معارف ومفاهيم اجتماعية وإنسانية وفنية، ناهيک عما وفرته من أجواء تسلية واستمتاع بوقت الفراغ. (91، 563، 566)
وقد أشارت دراسة (محمود الضبع، 2005)(72، 346) إلى أن المنتديات تمثل إحدى الوسائل الفاعلة في تبادل الحوار الأدبي، والتعليقات التي تقترب من الرؤى الانطباعية أحياناً، ومن روح النقد أحياناً أخرى، إلا أنها في نهاية الأمر تمثل نوافذ للحوار، وتقريب وجهات النظر، وعرض الإبداعات المختلفة، وتبادل الآراء حولها.
ويعد الحوار التربوي من أهم مواقف التواصل الفکري والثقافي والاجتماعي التي تتطلبها الحياة في المجتمعات المعاصرة؛ لما له من أثر في تنمية قدرة الأفراد على التفکير المشترک والتفاهم. (35، 949)
وتزداد أهمية الحوار في العصر الحاضر في ظل معطيات حضارية عدة، منها:
- ثورة الاتصالات الحديثة وتقنية المعلومات التي تُبث عبر أجواء مشحونة بالاضطراب وافتعال الصراع ونشر ثقافة القوة.
- ظهور الأيديولوجيات الفکرية العقدية ومحاولة توظيفها لخدمة أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية.
- انتشار فکرة العالمية، وإحساس الدول بارتباط مصيرها بالأجزاء الأخرى من العالم، وارتباط الأفراد والمجتمعات في هذه الدول بمصالح مشترکة. (77، 8)
وإذا کان الاختلاف جائزاً بين البشر کظاهرة طبيعية وفطرية، اقتضتها حکمة الخالق عز وجل، إلا أن هذا الاختلاف قد يخرج عن مساره السليم في بعض الأحيان بحيث يتحول إلى خلاف وشقاق وفرقة بينهم، فتعمى الأبصار ويستولي الهوى على القول والنفوس، وقد يتطور الخلاف ليصل الأمر في بعض الأحيان إلى التطاحن والصدام، واستخدام وسائل العنف المختلفة لحل الخلافات. (9، 85)
حقيقة أن مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها من منتديات للحوار، قامت فکرة إنشائها على تحقيق العمليات الإدراکية المشاعرية والسلوکية التي تتم بين الأطراف المتحاورة، غير أنها حادت عن هذا الطريق وأخذت تخترق بالإضافة إلى الجوانب الاجتماعية، عموم القطاعات المختلفة السياسية والاقتصادية والدينية والتعليمية وغيرها. (88، 10)
فقد أوضحSchulten (107، 7) أنّ لمواقع التواصل الاجتماعيّ أثر بالغ في التحصيل الأکاديميّ للأبناء، ودوره في التنظيم الذاتيّ والثقة الصفية لدى الأبناء. حيث تبين أنّ وجود الأبناء لفترة ممتدة على مواقع التواصل الاجتماعيّ يمکن أن يکون له آثار ضارة على الإنتاجية الدراسية للطلاب، وأداء المهامّ والواجبات المناطة بهم، فالساعات الطويلة التي يقضيها الأبناء على مواقع التواصل الاجتماعيّ لها أثر سلبيّ على تحصيلهم الدراسيّ، ويترتب عليه مجموعة من المشکلات التربوية: مثل النوم أثناء الدروس والمذاکرة، وتشتت الذهن، وضعف الترکيز، وضعف القدرة على الاستذکار، وتأخّر دراسيّ دائم، وغيرها العديد من الآثار التي تؤثر بشکل مباشر على التحصيل الدراسيّ للأبناء.
کما أنها تضيّع کثيراً من الوقت وتعد نافذة للفساد بما تفتحه من سبل محفوفة بالمخاطر والمشکلات الاجتماعية والأخلاقية، وأنها لا تخلو من الخلافات الحادة أحياناً عندما تختلف الآراء حول موضوع ما أو قضية بعينها، ونادراً ما تکون هذه المواقع ملتزمة بآداب المحادثة والحوار. (91، 563، 566)
کما لم تخل تعليقات بعض المتحاورين من السباب والشتائم الخارجة والألفاظ الجارحة والخادشة للحياء. ناهيک عن رکاکة اللغة المستخدمة في غرف المحادثات الإلکترونية وضحالتها، وأن أول ما يتبادر إلى ذهن العاقل تجاه هذه الغرف الإسفاف وقلة الذوق والحياء. (122)
وحتى لا يکون الاختلاف بين أطرف الحوار الإلکتروني سبباً في التنافر والعداوة بين أفراد المجتمع وکذلک بين أفراد المجتمع والمجتمعات الأخرى، وتلافياً لسلبياته، وسعياً لبناء ثقافة حوارية تقوم على عدم رفض الآخر، والانفتاح على وجهات النظر الأخرى واحترامها، وعدم التمترس خلف اجتهادات فکرية غير قابلة للنقاش؛ فإنه ينبغي توفر بعض المتطلبات لکي يکون حواراً تربوياً بناءً ونافعاَ.
* يشير الرقم الأول إلى رقم المرجع في قائمة المراجع، والثاني إلى الصفحات.