يشهد العصر الحالي تطورات سريعة ومتلاحقة في شتي فروع المعرفة،وما ترتب عليها من زيادة کم المعرفة وتنوعها، وبالتالي أصبح لزامأ علي رجال التربية ضرورة إعادة النظر في الاستراتيجيات التربوية التي تلائم هذه الأوضاع ، والعمل علي تغيير فلسفة وأهداف التعليم من تعلم تقليدي يتمرکز حول المعلم، الي تعلم نشط يتمرکز حول المتعلم يتطلب المزيد من التفکير والتأمل ، لذا کان التحدي الذي يواجه التربية کيفية تحويل بيئة التعلم من بيئة ساکنة أحادية مصدر التعلم تعتمد علي المعلم ، إلي بيئة تعلم نشطة تتطلب من المتعلم التأمل والملاحظة والتفاعل، والمشارکة والتعبير عن الاراء والافکار ، وإعطاء التفسيرات وإقتراح الحلول للمشکلات المطروحة ، والوصول الي الاستنتاجات والکشف عن المغالطات في الاحداث التاريخية ، مما يسهم في مساعدة المتعلمين علي التفکير وتوفر بيئة التعلم البنائية.
وفي سبيل البحث عن نماذج واستراتيجيات جديدة ، وتناول جديد لمناهج التاريخ يمکن من خلالها تنمية التحصيل ومهارات التفکير المختلفة، برزت النظرية البنائية (Constructivist theory) نتيجة للتحول التربوي في العقدين الماضيين ؛ من الترکيز علي العوامل الخارجية الموجودة في البيئة التعليمية للتلميذ کالمعلم والمدرسة والمحتوي، الي الترکيز علي العوامل الداخلية التي تؤثر في المتعلم، اي الترکيز علي ما يجري داخل عقل المتعلم ،وقدرته علي الفهم والمعالجة للمعلومات ،ودافعيته للتعلم وانماط تفکيره (الخليلي،1996،435)(*).
ويري اصحاب النظرية البنائية ان عملية إکتساب المعرفة عملية بنائية نشطة ومستمرة، تتم من خلال الاهتمام بالعوامل الداخلية التي تؤثر في التعلم ، والبنية المعرفية داخل عقل المتعلم، وإعتماده علي معالجة المعلومات ،وربط المعرفة الحديثة بالقديمة، حيث تبني المعرفة الجديدة علي اساس المعرفة السابقة الموجودة لدي المتعلم، وبالتالي تصبح المعرفة ذات معني ، ويصبح المتعلم هو محور العملية التعليمية ويصبح دور المعلم موجهاً للعملية التعليمية ( کمال زيتون،2002،189)؛ ولذلک تعد النظرية البنائية من أهم النظريات التي أحدثت ثورة عميقة في الأدبيات التربوية الحديثة، حيث اکدت تلک النظرية علي نشاط وايجابية المتعلم في بناء معارفه خلال عملية التعلم من خلال إعتماده علي نشاطه الذاتي ، وعدم تلقينها له من البيئة الخارجية او من قبل المعلم، فعملية التعلم من وجهة نظر البنائية تتم من خلال عمل المتعلم ونشاطه،وإعادة بناء المتعلم لمعرفته (أمال عياش ومحمد العبسي،2013،527) ، فالمتعلم لا يستقبل المعرفة بشکل سلبي، بل يبنيها من خلال خبراته السابقة، کما أن لکل متعلم طريقة وخصوصية في فهم وبناء المعرفة، وهي ليست بالضرورة کما يريد المعلم ،فالمتعلم نشط وفعال خلال عملية التعلم، ويشارک بإيجابية في استدعاء المعرفة السابقة من أجل بناء معرفه ذات معني (احمد النجدي، مني عبدالهادي،علي راشد،2005،356).