يُعد الإسلام الإنسان مرکز الکون، ويعد الارتقاء به مقدماً على الارتقاء في العمران، ولذا فإن معظم نصوص الکتاب والسنة ترکز على نحو ما إلى تهذيب الإنسان، وتنقية عقله.
إن من أهم مشکلات العقل البشري کما أشار إلى ذلک البکار (1427هـ، ص33) ذلک (الألف) الذي يحدث بين عقولنا وبين الأشياء التي نحتک بها على نحو مستمر، وهذا يدفعنا نحو الکف عن البحث والتساؤل ومحاولة فهم أعماق الأحداث، والأشياء، وهذا الإعراض يشکل أهم مصدر من مصادر تبلد الذهن وتباطؤ حرکة الفکر. ولهذا فإننا نجد الکثير من الآيات القرآنية التي تحض الإنسان على تجاوز النظر السطحي والقريب للأشياء إلى فهم الأسباب والجذور والدقائق، ليعرف طبيعة المشکلات التي يعاني منها والمآلات التي يمکن أن يصير إليها.
قال تعالى :ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﭼ [آل عمران : 190].
والمتأمل لعالم اليوم السريع التغير والتطور، والمشاهد لهذه الاختراعات والابتکارات الجديدة والمتزايدة يدرک تماماً أن وراء هذا عقولاً بشرية مبتکرة. وهذا ما تصنعه المجتمعات الحديثة في تربية أبنائها وتعليمهم، إذ أصبح اهتمام تلک المجتمعات منصباً على ضرورة إعداد العقول المفکرة، التي تحدث کل جديد وتطور کل قديم بما يتلاءم مع طبيعة العصر، ويتناسب مع أهداف مجتمعها.
وقد أشار البکار (1424هـ) إلى أنه : «لن يشکل امتلاک المعلومات في المستقبل فارقاً جوهرياً بين الأمم والأفراد، وإنما ستأتي الفوارق الجوهرية والکبرى من مهارات استخدام المعلومات وتحليلها وتوظيفها، ولهذا فإن تنمية المهارات العقلية ستکتسب کل يوم أهمية إضافية» ص25.
لقد أضحى تعليم الطالب کيف يفکر أمراً مهماً، ومطلباً ملحاً من المطالب التي يفرضها العصر الحاضر على النظم التعليمية، إذ يشير البکر (1423هـ، ص123)، إلى أن الاهتمام بتنمية مهارات التفکير لدى الطلاب في ازدياد مستمر، ويوجد اليوم إجماع على أن جزءاً کبيراً من إهمالنا في استغلال الطاقات الإنسانية إنما يعود إلى عدم إلمام القائمين بشؤون التربية والتعليم بالقوانين الأساسية للإبداع، بل إن النظم التعليمية الحالية متجهة غالباً في طريق يتعارض مع نمو التفکير فمتطلباتها الجادة للنجاح تتبلور في القدرة على الاستيعاب والتذکر، أي ما يسمى التربية التلقينية.
إن مجرد تزويد الطلاب بالمعلومات هي خطوة أولى، وستظل تلک المعلومات رصيداً جامداً ما لم تفعّل، ولذلک کان من المهم تدريب الطلاب على استخدام مهارات التفکير أملاً في أن يتمکنوا من التعامل مع عصر المعلوماتية، ومع الفيض المتدفق من الإنتاج في شتى المجالات، تعاملاً يمکنهم من التکيف العلمي والاجتماعي، ومن أهم القدرات المطلوب إکسابها الطلاب هي القدرة على التفکير والابتکار وتحليل المواقف، کما أکد على ذلک إبراهيم (2000م) بقوله : «ينبغي التشديد على تعليم الطلاب أساليب التفکير الصحيح، والتدليل السليم، والطرق المبتکرة في حل المشکلات»، ص7.
وقد أکد ذلک زيتون (1987م) بقوله : «إن تنمية مهارات التفکير الابتکاري لدى الطلاب أصبح ضرورة ملحة باعتبارها هدفاً أساسياً من أهداف التربية الحديثة، وأداة رئيسة من أدوات مواجهة المشکلات الحياتية وتحديات المستقبل قبل أي نوع من أنواع التفکير» ص16.
وتأتي المدرسة هنا باعتبارها المکان الأنسب للقيام بهذا الدور، خاصة وأن الطالب يتعرض فيها لمناشط تعليمية عديدة، ويقضي فيها معظم أوقات يقظته، وهذا ما أکده عصر (2001م) بقوله : «قد أضحى لزاماً أن تتبنى المدارس هدفاً واحداً مختلف الأبعاد والأعماق في مراحل التعليم العام؛ هو تمکين الطلاب من أساليب التفکير وعملياته وأنماطه، من خلال عملية التعليم وفقاً لمستويات نضج الطلاب، ومتطلبات المعرفة» ص15.
ولکي تسهم المناهج الدراسية في تنمية التفکير، ينبغي أن تصمم بأسلوب يدعو إلى إطلاق أفکار التلاميذ، وإثارة دوافعهم نحو التجديد والابتکار، وتنفذ بأساليب مغايرة عن أساليب التلقين والحفظ والمسار الواحد.
وهنا تبرز نصوص القراءة کوسيط مهم في مجالات النشاط اللغوي في حياة الفرد والجماعة ومن أهم أدوات اکتساب المعرفة والثقافة والاتصال بنتائج العقل البشري.
وقد أکد شحاته (1992م، ص101) على أن القراءة هي العملية التي تمکن القارئ من توليد المعاني، وإنتاج الأفکار، وتنشيط الذهن؛ ليمارس عمليات عقلية عديدة متنوعة.
ورغم أهمية القراءة بوصفها مادة دراسية، وأهميتها کمادة مرنة وواسعة تسهم في تنمية التفکير ومهاراته اللازم امتلاک الطلاب لها، إلا أن أساليب تدريسها ما زالت تقليدية، تقوم على الاهتمام بالمعرفة والنطق، فضلاً عن أن واقع تعليم النصوص القرائية لا يتفق مع وظيفة الأهداف التعليمية العامة الصادرة من وزارة التربية والتعليم (1422هـ، ص ص76 ـ 90) والتي تؤکد في مواضع مختلفة على ضرورة توظيف مقررات اللغة العربية وخاصة القراءة في تنمية مهارات التعلم والتفکير.
غير أنه ومهما توافرت الإمکانات الجيدة من مقررات دراسية وغيرها، ولم يتوفر المعلم القادر على تفعيل الإمکانات في الموقف التعليمي، فإن ذلک يعد فاقداً تعليمياً يؤثر في بلوغ الأهداف المخطط الوصول إليها في کل البرامج التعليمية، فهو المسؤول الأول عن توظيف المناهج والمقررات للوصول إلى الأهداف، وهو الذي يحول السياسات التربوية والمقررات الدراسية إلى واقع معاش (الکرش، 1997م، ص83).
يظهر مما سبق أهمية الدور الفاعل للمعلم في تنمية تفکير التلاميذ وبروز النصوص القرائية کوسيط مهم وفاعل في تنمية مهارات التفکير، إلا أن الدراسات التي تقف على واقع تدريس القراءة ودورها في تنمية تفکير الطلاب، والدراسات التي تقف على أداء معلم القراءة ودوره في تنمية مهارات التفکير الابتکاري نادرةً جداً.
وقد جاءت هذه الدراسة لتقف على أداء معلمي اللغة العربية للخروج بنتائج علمية واضحة تبين الخلل وتوصي بعلاج المشکلة في نقاطٍ تساهم في تطوير أداء المعلمين ليتمکن الطلاب من امتلاک مهارات تساعدهم على مواکبة هذا التطور وهذه المتغيرات المتجددة، ومن ثم الارتقاء بأنفسهم وبمجتمعهم.