شهد تعليم العلوم مؤخرًا تطورًا استمد أصوله من التغير في فهم طبيعة العلم، حيث أصبحت النظرة متکاملة لمجالات المعرفة المختلفة، مما جعل معلم العلوم أمام تحديات کبيرة تتمثل في مطالبته بتعليم أکثر فعالية وإيجابية، وإکساب طلابه مهارات التفکير المختلفة وتدريبهم على ممارسة الاستقصاء، وإکسابهم الاتجاهات والميول والقيم العلمية، مما يساعدهم على تطبيق المعرفة العلمية في حياتهم المستقبلية.
وقد أحدثت مشکلة تکامل مجالات المعرفة جدلًا واسعًا بين التربويين، وأدرکوا أن التعلم يکون أکثر فاعلية إذا ما ربطت معارف المتعلم ونظمت أفکاره بدقة في صورة متکاملة مترابطة، ويرجع الاهتمام بهذا النوع من التعليم التکاملي إلى حرکة إصلاحية دعي إليها القادة السياسيون على مستوى العالم، وذلک لعلاج الآثار الناجمة عن الرکود الاقتصادي، اعتقادًا بأن وجود الطلاب الدارسين لهذه التخصصات وإعدادهم للمستقبل کمهندسين وعلماء وتقنيين، سيسهم بشکل کبير في إنتاج الأفکار المبتکرة والتي تؤدي بدورها إلى التنمية الاقتصادية، وذلک على اعتبار أن من سيبدأ الدراسة مبکرًا في هذه المجالات العلمية والتکنولوجية سيکون مهيأ بشکل أکبر للالتحاق بمهن مستقبلية علمية أفضل، وعرف هذا الاتجاه الجديد بتعليم العلم والتکنولوجيا والهندسة والرياضيات Science, Technology, Engineering, Mathematics (STEM) (Fan & Ritz ,2014, 9).
ولکي يکون هذا النوع من التدريس فعال يجب الاعتماد علي نوعية متميزة من المعلمين الأکفاء وغير العاديين، الذين يملکون من الإمکانات والقدرات التي تيسر لهم بما يکفي، التغلب على مجموعة متنوعة من التحديات التي ربما تعترض عملهم، وتقف حائلًا بين النظرية والتطبيق. وبطبيعة الحال، هناک حاجة ماسة ومستمرة، لإدخال تعديلات وتغييرات متواصلة علي هذه الکيفية من عملية التدريس، تقود إلى تنفيذ التحولات المنشود تنفيذها بتعليم STEM، في مرحلة التعليم الأساسي، على المستويات المحلية والقومية (National Research Council, 2011, 19).
لکن الواقع يشير لوجود ضعف ظاهري في عملية إعداد المعلم، يلفت الانتباه إلى الأهمية التي تستحق أن تشغلها برامج التطوير المهني المستمر، ومن المؤلم أن نتائج البحوث، تشير إلى أن برامج التنمية المهنية للمعلمين حول STEM، بغض النظر عن ندرتها، غالبًا ما تکون قصيرة، ومجزأة، وغير فعالة، ولا يلبي تصميمها الحد الأدنى من الحاجات الفردية للمعلمين. وبرامج التطوير المهني بمثابة الأدوات الحقيقية لتغيير الممارسات التعليمية التي يتبعها المعلمين. ولا يعني ذلک، أن التنمية المهنية وحدها هي الحل الوحيد لمعالجة أوجه القصور التي تکتنف الأداء الحالي للمعلمين. ولکنها مجرد حلقة صغيرة في سلسلة کبيرة لتطوير المعلمين، بداية من الإعداد المبدئي للمعلم في تخصصه کمدخل أولي لممارسة التدريس، وانتهاءً بالبحث المنهجي المنظم لإيجابيات وسلبيات عمله (National Research Council, 2011, 21- 22).
فللمعلمين دورًا بارزًا في تعليم STEM، فيجب أن يکون لديهم الدافعية لمعرفة المزيد عن کيفية ارتباط مفاهيم ومبادئ وممارسات مجالات STEM وأن يکون لديهم فهمًا جيدًا للمعايير التي يتضمنها کل مجال. فقد أشارت نتائج دراسات (مراد، 2014) (أمبوسعيدي وآخرون، 2015) إلى انخفاض مستوى معتقدات معلمي العلوم نحو تعليم STEM في محوري المعرفة بماهية STEM، ومتطلبات التدريس باستخدامه، وانخفاض مستوى مهارات الأداء التدريسي للمعلمين لتوظيف مبادئ ومتطلبات التکامل بين مجالات STEM في تعليم العلوم؛ الأمر الذي يتطلب ضرورة توعية معلمي العلوم بماهية هذا التعليم وممارساته التدريسية، وتدريبهم على کيفية استخدامه في تعليم العلوم في مرحلة برامج إعداد المعلم بکليات التربية وأيضا في برامج تطويره المهني .
ونظرا للحاجة إلى زيادة مستوى الدقة في الصفوف لجميع الطلاب. فقد وضعت معايير لجميع المناهج الدراسية. يتطلب تنفيذ هذه المعايير أدوات عملية لتطوير المناهج وأساليب التقييمات التي تعزز مستويات أعلى من الطلب المعرفي. وفي ضوء ذلک، ظهرت مستويات العمق المعرفي(Depth of Knowledge) لنورمان ويب Webb في عام 1997، وهي أحد الأدوات الأساسية التي يمکن أن يستخدمها المتخصصون لتحليل جوانب المعرفة التي تتطلبها کل من المعايير والأنشطة المنهجية ومهام التقييم. وقد طور ويب Webb نموذج العمق المعرفي للمواءمة بين المعايير وعناصر الاختبار في التقييم. ويصنف هذا النموذج مهام التقييم بمستويات مختلفة من الإدراک أو عمق المعرفة المطلوبة لإکمال المهمة بنجاح (Hess, 2013, 3).
ويرتبط تعليم STEM بالقدرة على استخدام عمليات الاستقصاء العلمي والتصميم الهندسي، حيث يعتمد ذلک التعليم على الربط بين مجالات المعرفة الأربعة العلم والتکنولوجيا والهندسة والرياضيات لتصميم وتطوير نماذج مختلفة تساعد في حل مشکلات العالم الواقعي.
لذا نما الاهتمام بشکل کبير في العقدين المنصرمين إلى استخدام التفکير التصميمي في البيئات التعليمية من مرحلة الروضة إلى الصف الثاني عشر، ورغم هذا النمو، لم تعطَ أهمية للتفکير التصميمي باعتباره مکوّنًا أساسيًا في حزمة الأدوات الاحترافية للمعلمين الاهتمام الکافي. کذلک لم يُقدّم سوى الحد الأدنى من التوجيه حول کيفية دعم التفکير التصميمي في مجال التعليم، والتطوير المهني والمبادئ التوجيهية وأفضل الممارسات اللازمة لتطبيق هذا النهج بنجاح (ديفينتالا وآخرون، 2017، 5) .
لکن في أغلب مؤسسات التعليم العالي العالمية يتم تطبيق التفکير التصميمي، حيث أصبح مصطلح التفکير التصميمي جزءً من المفردات الشائعة في التصميم المعاصر والتطبيق الهندسي، لذا فإن استخدامه الواسع في وصف نمط معين من التفکير التطبيقي الإبداعي يتزايد تأثيره في ثقافة القرن الحادي والعشرين في مختلف فروع المعرفة حيث يشبه نظم التفکير في تحديد منهج معين لفهم المشکلات وحلهاWarman, 2015, 51) (Morris & وبذلک يرتبط تعليم STEM بالقدرة على استخدام مهارات التفکير التصميمي التي تعد منهج جديد لفهم مشکلات العالم الواقعي والعمل على حلها .
وقد أکدت بعض الدراسات منها: (Khadri,2014)، (سليمان، 2017)، (الدغيم، 2017) ضرورة إعداد وتدريب المعلم على التدريس وفق تعليم STEM, وتدريبه على ممارسات استخدامه وما يتربط به من معارف وممارسات تدريسية تسهم بدورها في تنمية مهارات التفکير التصميمي لدى المعلمين ومن ثم طلابهم.
لذا قامت الباحثة بدراسة استطلاعية هدفت التعرف على آراء موجهي ومعلمي العلوم– وعددهم (18) منهم (8) موجهاً و (10) معلمًا- حول مستوى أداء معلمي العلوم أثناء الخدمة لبعض ممارسات التدريس وفق تعليم STEM وتحديد مدى تناول برامح تدريب المعلمين لتلک الممارسات ومستويات عمق المعرفة ومهارات التفکير التصميمي.
وقد اتضح من نتائج الدراسة الاستطلاعية ما يلي:
- اتفق 83.3 % من معلمي وموجهي العلوم، أن نسبة کبيرة من معلمي العلوم لا يتمکنون من ممارسات التدريسية وفق تعليم STEM بدرجة مناسبة .
- اتفق 88.8 % من معلمي وموجهي العلوم أن برامج تدريب معلمي العلوم الحالية لا تتناول ممارسات التدريس وفق تعليم STEM بشکل مناسب يفي بالغرض منها.
- اتفق 88.8% من معلمي وموجهي العلوم، أن معلمي العلوم في حاجة لمزيد من البرامج التدريبية حول ممارسات التدريسية وفق تعليم STEM ولا يقتصر الأمر على معلمي مدارس STEM للمتفوقين حيث لابد لجميع معلمي العلوم التدريب على هذا النوع الجديد من التعليم الذي يعتمد على تکامل المعرفة ويهتم بعمليات التصميم الهندسي .
- اتفق 94.4 % من معلمي وموجهي العلوم، أن نسبة کبيرة من معلمي العلوم لا يعرفون کيفية تنمية مستويات عمق المعرفة لدى طلابهم من خلال تدريس العلوم.
- اتفق 94.4 % من معلمي وموجهي العلوم، أن نسبة کبيرة من معلمي العلوم لا يعرفون کيفية تنمية مهارات التفکير التصميمي لدى طلابهم من خلال تدريس العلوم.
وبناءً على ما سبق تتضح أهمية تدريب معلمي العلوم على التدريس وفق تعليم STEM ومن خلال نتيجة الدراسة الاستطلاعية والدراسات السابقة، أمکن تحديد مشکلة الدراسة .