يشهد العالم المعاصر ثورة معرفية وتقنية غير مسبوقة، رافقها تطور وانتشار واسع لوسائل الاتصال وتبادل المعلومات بشکل سريع جداً، خاصة مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة والتي يتجاوز أعداد مستخدميها المليارات حول العالم، وهم من مختلف الفئات العمرية، وارتبط هذا الانتشار بتدفق المعلومات المختلفة والحاجة إلى تداولها بشکل سريع وموجز بين مستخدمي تلک المواقع، سواء عبر أجهزة الحاسوب المحمولة أو عبر الهواتف الذکية.
وفي هذا السياق ظهر الانفوجرافيک کأحد أهم التقنيات المستحدثة في مجال العرض البصري للمعلومات، وبدأ استخدام "الانفوجرافيک" مع انتشار شبکات التواصل الاجتماعي بين عامي 2005، 2006 کوسيلة لعرض المعلومات بصورة مرئية، وبلغ عدد تصميمات الانفوجرافيک آنذاک نحو 5 تصميمات، وتطور وانتشر استخدام الانفوجرافيک فيما بعد حتى وصل إلى 200.000 عام 2011، وهو عام تدشين أول حساب لتصاميم الانفوجرافيک على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" Twitter" (الدهيم، 2016، ص 265).
وانتقل استخدام الانفوجرافيک إلى مجال التعليم والتدريب، وذلک في العديد من التخصصات کالطب، الاقتصاد، السياسة وغيرها من التخصصات العلمية، لتوضيح المعلومات المعقدة وعرضها في أشکال رسومية معبرة بشکل موجز وجاذب لاهتمام المتابعين، وهذا الأمر جعل الانفوجرافيک يحتل مکاناً واسعاً في الأنشطة التعليمية المختلفة، وفي مجال التدريب على تنمية مهارات التواصل والتفکير البصري، حيث يُمکن إعداد تصاميم إنفوجرافيک مختلفة تناسب المتعلمين أو المتدربين من مختلف مستويات التحصيل الدراسي، أو مستويات التفکير المختلفة (Bicen & Beheshti, 2017, p.101).
وازدادت أهمية الإنفوجرافيک في عالمنا المعاصر الذي يوصف بعالم الطفرة البصرية Visual Boom، حيث تنتقل معظم المعلومات في صور مرئية عبر أجهزة الحواسيب المحمولة والأجهزة الکفية والهواتف الذکية، مما يجعل استخدام الانفوجرافيک أحد الخيارات المناسبة لعرض تلک المعلومات في شکل بسيط بحيث يسهل استيعاب تلک المعلومات، وقراءتها بصورة سريعة وموجزة عبر تصاميم بأنماط مختلفة، ومن ثم مشارکتها وتداولها بين مستخدمي الانترنت حول العالم (Damyanov & Tskanov, 2018, p.83).
ويتميز الانفوجرافيک بإمکانية تصميمه بأنماط مختلفة: النمط الثابت، النمط المتحرک، والنمط التفاعلي، ولکل نمط من تلک الأنماط مزاياه وبرامج إعداد خاصة به، وأظهرت العديد من الدراسات السابقة فعالية الانفوجرافيک بشکل عام في تنمية العديد من المتغيرات المرتبطة بالعملية التعليمية التعلمية، ومنها دراسات (الدهيم، 2017؛ Singh & Jain, 2017 (Yildrim, 2016; Bicen & Behshti, 2017.
ومن جهة أخرى تُعتبر مهارات التفکير البصري من المهارات ذات الصلة بالثورة المعلوماتية المعاصرة، حيث أصبحت الصورة الآن تعادل ملايين الکلمات، والخبرة التي يکتسبها الإنسان في معظمها خبرة بصرية، بدءاً من الصور المُشاهدة عبر التلفاز مروراً بجهاز الحاسوب والهواتف الذکية، وصولاً إلى الصورة الخيالية التي يتخيلها المرء داخل عقله (صالح، 2013، ص 13).
وتتضح أهمية التفکير البصري في العملية التعليمية التعلمية من حيث تحسين نوعية التعلم وتسريع التفاعل بين الطلبة، وزيادة الالتزام بين الطلبة بمتابعة کافة الانشطة التعليمية، ودعم طرائق جديدة لتبادل الأفکار بين الطلبة بعضهم البعض، إلى جانب المساعدة على حل القضايا العالقة بتوفير العديد من خيارات الحل لها، وتعميق مهارات التفکير المختلفة، وبناء رؤى مختلفة وجديدة للمشکلات (العفون ومطشر، 2012، ص 178)، ولا تقتصر أهمية التفکير البصري على الطلبة فقط بل أنها تُعد من المهارات الضرورية لکافة العاملين في الميدان التربوي حيث يلعب التفکير البصري دوراً کبيراً في استکشاف الحقائق العلمية وتحقيق الفهم والتواصل العلمي، وتوضيح الأفکار العلمية ومشارکتها مع الآخرين بسهولة، کما أنه يُسهم في تنمية التفکير الناقد والتفکير الابتکاري (عمر، 2016، ص213).
وفي هذا السياق فقد أوصت دراسة الجريوي (2014) بضرورة تدريب المعلمات قبل وأثناء الخدمة على مهارات الثقافة البصرية في قراءة النصوص والرموز عبر تقنيات حديثة وأدوات حديثة، کما اهتمت العديد من الدراسات بتنمية مهارات التفکير البصري لدى الطلبة أو الطلبة المعلمين ومنها دراسات (صالح، 2017؛ أبو الحمد، 2017؛ حماد وآخرون، 2017؛ وعمر، 2016، وأبوزيد، 2016)، وأشارت تلک الدراسات إلى أهمية مهارات التفکير البصري.
مشکلة البحث:
نبع الإحساس بمشکلة البحث من خلال عمل الباحثة کمعلمة ومن ثم کمشرفة تربوية فنية لعدة سنوات ومن ثم کمشرفة تدريب، حيث اتضح وجود نقص في بعض مهارات التفکير البصري لدى بعض المشرفات التربويات، وللتأکد من ذلک تم إجراء دراسة استطلاعية تمثلت في استبانة إلکترونية مکونة من مجموعة من الأسئلة ذات العلاقة بموضوع البحث ومتغيراته حيث تم توجيهها إلى عينة من المشرفات التربويات بمختلف التخصصات بلغ عددهن 25 مشرفة، وأظهرت نتائج أن نسبة امتلاک المشرفات لمهارات التفکير البصري نسب منخفضة للغاية تراوحت ما بين ( 8 %- 30 %) من مجموع العينة، کما أظهرت استجابات المشرفات أن 60 % منهن يعتقدن أن الإنفوجرافيک سيسهم في تحسين ادائهن الإشرافي.
وبالأخذ في الاعتبار ما جاء في العرض السابق من أهمية الانفوجرافيک في مجال التعليم والتدريب، وأهمية التفکير البصري کأحد المهارات المرتبطة بالثورة التقنية المعاصرة، وما ورد في الدراسات السابقة ومنها دراسة إبراهيم (2014) والتي أوصت بضرورة إعداد برامج تدريبية للمعلمين والمشرفين التربويين تتضمن دمج التکنولوجيا في التعليم"، ودراسة عطا الله (2011) والتي أوصت بضرورة عقد دورات تدريبية للمشرفين التربويين حول کيفية توظيف التکنولوجيا الحديثة ومهارة استخدام التقنيات الحديثة بما يخدم العملية الإشرافية، إلى جانب ما أظهرته الدراسات السابقة من دور هام للانفوجرافيک التفاعلي کأحد المستحدثات التقنية التي تلعب دوراً هاما في مجال التعليم والتدريب.
ويُضاف إلى ما سبق ندرة الدراسات السابقة التي اهتمت بتنمية مهارات التفکير البصري لدى المشرفات التربويات، والدور الهام الذي تؤديه المشرفات التربوية في العملية التعليمية وحاجتهن إلى امتلاک مهارات التفکير المختلفة بالشکل الذي يضمن رفع مستوى أدائهن وقدراتهن العملية، فإن مشکلة البحث تتلخص في التعرف على أثر استخدام الانفوجرافيک التفاعلي في تنمية مهارات التفکير البصري لدى المشرفات التربويات في مدينة تبوک.