يواجه العالم اليوم العديد من التحديات والتغيرات المذهلة التي أوجدها الانفجار المعرفي والتقدم التکنولوجي في العصر الراهن، حيث أصبحت التغيرات والتحولات هي سمة هذا العصر، وبلا شک فإن محاولة السيطرة على هذه التغيرات، وتجنب انعکاساتها السلبية تتطلب من المنظمات الاهتمام بالعنصر البشري وتنميته مهنيًا، بحيث يکون قادرًا على التعامل مع ما تفرزه هذه التحولات والتغيرات.
ويقع على عاتق التربية مسئولية إعداد جيل متعلم قادر على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات, وتوفير فرص تعليم للجميع في بيئة تعليمية مناسبة في ضوء السياسة التعليمية للدولة, ورفع جودة مخرجات التعليم, وتشجيع الابداع والابتکار, وسد الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل, وتوجيه الطلاب نحو الخيارات الوظيفية والمهنية المناسبة , کل هذا يتطلب تطوير أساليب التدريس والابتعاد عن الأساليب والطرق التقليدية واستخدام المداخل الحديثة في تصميم المناهج.
ومن المداخل الحديثة والواعدة في مجال التربية العلمية والتکنولوجية مدخل STEM (العلوم -التکنولوجيا -الهندسة-الرياضيات)، والذي عرف في بدايته بمدخل SET (العلوم-الهندسة-التکنولوجيا)، ثم أضيفت إليه الرياضيات ليصبح STEM. وهو أحد مداخل التربية التکنولوجية الذي نشأ من حاجة اجتماعية واقتصادية نتيجة واقع الأزمة الاقتصادية العالمية في الدول الصناعية الکبرى في العقود الأخيرة والتي أدت إلى خلق سوق عمل تنافسي يتطلب وجود أفراد يتمتعون بامتلاک العديد من المهارات العملية؛ مما استدعى ضرورة الاهتمام بالتطبيق العملي للعلوم داخل المدرسة.
ويعد مدخل STEM من أهم الاتجاهات العالمية الحديثة في تصميم المناهج بعد أن ثبتت فعاليته منذ البدء في تطبيقه بالولايات المتحدة الأمريکية عام 2001م وتوالت تطبيقاته في العديد من دول العالم الصناعية مثل :المملکة المتحدة، وکوريا الجنوبية وبعض الدول المتقدمة، وهو مدخل دعت إليه المکانة التي أصبحت فيها المهارات التطبيقية کأحد المتطلبات الأساسية في الکثير من وظائف العلوم والتکنولوجيا، حيث تؤسس الابتکارات في العلوم والتکنولوجيا والهندسة والرياضيات حلولاً لما تواجه الدول المتقدمة من التحديات العالمية، حيث إن نسبة 80٪ من فرص العمل في العالم حالياً تتطلب أشکال متنوعة من اتقان مهارات علمية وتطبيقية (صالح، 2016).
وقد ظهرت برامج وأطر عمل تربوية متعددة في العديد من الدول المتقدمة في هذا المجال، من حيث إعداد مناهج دراسية مدعمة بموضوعات هذا المدخل، وتحقيق متطلبات المعلمين من برامج تدريبية، وتدعيم المجال التربوي بالتسهيلات اللازمة لتطبيق هذا النوع من التعليم.
ويشير (Matthew, 2011, 8)، إلى أن منهج STEM من أهم البرامج التي تبنتها المملکة المتحدة، والذي تم تحديده وتدعيمه وتمويله في إطار سياسة شعبية في الفترة ما بين 2004 إلى 2010. وذلک بإضافة أنشطة ومهارات فعالة في مجال التکنولوجيا والهندسة بهدف تحقيق جودة مخرجات النظام التعليمي، وبالتالي تطوير الاقتصاد القومى وخاصة في مجال الإنتاج الصناعي.
ويرکز تعليم (STEM) على استخدام الطرق المتعددة التي يستخدمها العلماء في البحث واستشکاف وفهم العالم والطرق التي يستخدمها المهندسون لحل المسائل والمشکلات مثل طرح الأسئلة وتعريف المسائل، والعصف الذهني، وصنع واستخدام النماذج، والتخطيط وإجراء التحليلات، وتفسير البيانات، ويستخدم طرق التدريس القائمة على البحث مثل البحث العلمي والتصميم الهندسي ومهارة حل المشکلات (Locke, 2015, 27).
کما أشارت العديد من الدراسات التي تناول تعليم (STEM) إلى أنه يساهم في تحسن تحصيل الطلاب في العلوم والرياضيات وعلوم الأرض والحسابات الفيزيائية، وزيادة ميولهم نحوها، واکتساب أدوات فهم المعارف وترجمتها، وتنمية المهارات العددية، ومفاهيم النظام البيئي، کما يسهم في غرس صفات حميدة لدى الطلاب، وبناء شخصية قادرة على المثابرة والإصرار من خلال استخدام مدخل حل المشکلات. وتتوافق أهداف نظام STEM توافقا کبيراً مع تطلعات الرؤية فيما يخص التنمية البشرية (Vasquez, Corner & Scideer. 2012; Michelsen & Sriraman, 2009, 233; Bryan & Fennell, 2009, 403)
وللمعلمين دور بارز في تعليم (STEM)، حيث أکد إدوارد (Locke, 2015, 28) ضرورة وجود الدافعية لدى المعلمين لمعرفة المزيد عن کيفية ارتباط مفاهيم ومبادئ وممارسات مجالات (STEM) وأن يکون لديهم أيضا فهماً جيداً للمعايير التي يتضمنها کل مجال من مجالاته.
ولأن عملية التعليم والتعلم تشکل عنصراً أساسياً في إحداث هذا التطور، ونظراً لما يمثله المعلم من أهمية باعتباره الرکن الأساسي للنظام التعليمي، والعمود الفقري في أي مشروع يستهدف تطوير التعليم (المحيسن، وخجا، 2015، 14)، بالإضافة إلى أنه حجر الزاوية في العملية التعليمية، ومحورها الأساسي، وأن أي تطوير في العملية التربوية يجب أن يبدأ به؛ إذ لا تربية جيدة بدون معلم جيد؛ لذا فإن أهم الدعائم التي ترکز عليها التربية الحديثة تتمثل في تهية المعلمين وإعدادهم وتطويرهم بصورة مستمرة لتلبية حاجات المجتمع الضرورية والارتقاء بالمستوى التعليمي للطلاب، وتزويدهم بالخبرات التي تؤهلهم للعمل التربوي المتميز. فأى محاولة لإصلاح التعليم دون الإعداد الجيد والتطوير المهني المستمر للمعلم ، لن تحقق الهدف منها.