أولا : الإطار العام للدراسة
مقدمة:
کانت بداية الخلق لبني آدم عندما خلق الله سبحانه وتعالى آدم وخلق منه زوجه (حواء), فتکاثروا وأصبحوا شعوبًا وقبائل مختلفين ليتعارفوا.
لقد أقرَّ الله سبحانه وتعالى ميزانًا قويًّا ثابتًا يميّز بين جميع البشر ألا وهو ميزان التقوى؛ فلا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى.
"أبرزَ الإسلامُ من خلال النشاط الواقعي للقبيلة والفعل الاجتماعي مفهومَ التعارف والتآلف والتحالف لإعلاء القيم الإنسانية". (الکاروري,12:2014)
وتعدُّ القبيلة صورةً من صور الجماعات الإنسانية التي تربط بين أفرادها رابطة الدم والنسب والعلاقات والمصالح المتعددة؛ وأفراد القبيلة يتعصبون ويجتمعون لأجل قبيلتهم. وقد دفعت العصبية بني هاشم إلى الدفاع والذود عن النبي rوحمايته من أذى قريش؛ "حملت الحمية بني هاشم لمناصرة النبي r مسلمهم وکافرهم, وقد کان يقودهم في ذلک أبوطالب، حيث إن الله تعالى عصمه بعمّه مع خلافه إياه في دينه". (عيسى,63:2011)
وقد کانت العصبية هي السبب في إلغاء المقاطعة ونقض الصحيفة, حيث إن قريش قررت مقاطعة بني هاشم وبني المطلب لمناصرتهم الرسول rکنوع من الضغط عليهم ليخلوا بينهم وبين الرسول r، "وکما أن العصبية هي التي أدت بقريش إلى هذا العداء السافر تجاه بني هاشم لما أشرنا سابقًا من أسباب عدائها للرسول, فهي ذاتها التي دفعت بني هاشم لاحتمال الشرّ دون تسليم الرسول r لقاتليه, ثم إنها هي أيضًا التي أدت في نهاية الأمر إلى فک الحصار". (عيسى,67:2011)
وقد أوضح (دارتي، 2008) في الموسوعة العالمية للعلوم الاجتماعية، أن العصبية القبلية يمکن أن تکون إيجابية عندما يکون الولاء کاملًا وموجهًّا لصالح الأمة, ويجعلها متماسکة ومتضامنة بحيث تبحث عن آفاق جديدة للتطور. وعلى العکس من ذلک تکون العصبية القبلية سلبية عندما تعمل على انبعاث الکراهية والحروب.
ومن أهمِّ مظاهر التعصّب القبليّ الفخر بالأحساب والطعن بالأنساب، "لا يزال کثير من الناس تدور بينهم المفاخرة بالآباء والأجداد والتغني بمآثرهم وأمجادهم, وأصالة أنسابهم أوعظم أحسابهم, والتعالي بذلک على من يعدّونهم أقلّ منهم نسبًا وحسبًا, وريادةً وسيادة". (الجريسي,51:2006)
وقد أشار الجريسي (2006) کذلک إلى بعضٍ من المظاهر السلبية للتعصّب القبليّ يتمثل بالطبقية, والتي تقسّم المجتمع إلى قبيلي وغير قبيلي (خضيري). ومن هذه المظاهر أيضًا (المحسوبية): وهي المحاباة والوساطة؛ أي أن يحابي الفرد ذويه وجماعته, ويحامي عنهم ويشفع لهم بحقّ ٍوبغيرِ حقٍّ, حتى لولم يکونوا جديرين بذلک.(56و110)
إلا أن (کامبل،2006) أکّد ناحيتين مهمّتين تميزان العصبية القبلية؛ وهما: أولًا: الهُويّة العرقية ليست أساسية, وتغيّر الهُويّة أمرٌ شائع في الثقافة القبلية.
وثانيًا: العصبية القبلية تدوم وتستمرُّ بممارسة العادات والتقاليد في الحياة اليومية.
وعليه، فإن المجتمع يستطيع أن يحافظ على العصبية القبلية الإيجابية ويبتعد عن مزالق التعصّب السلبي, وذلک عن طريق الوعي وإدراک المفهوم الصحيح النقي للعصبية، ومن ثمّ عدم الانسياق وراء التعصب الأعمى.
وبما أنّ الجامعة هي المؤسسة التعليمية الأوسع التي لها مکانتها في صقل الوعي وتنوير المجتمع لإدراک همومه وتطلعاته، فقد رأت الباحثة تسليط الضوء على المسؤولية التربوية للجامعات السعودية في التعامل مع العصبية القبلية.