إن من سمات العصر الذي نعيش فيه الانتشار الهائل والسريع في المعلومات بسبب التقدم التکنولوجي , حيث أصبح الحصول على المعرفة في متناول کل متعلم,وفي أي وقت وفي أي مکان يمکن الحصول على المعلومة بشکل تقني سريع ، ومن سماته أيضا ظهور الشبکة المعلوماتية التي تعد من أهم التطورات في مجال تقنية المعلومات مما جعل التربويون يعيدون النظر في الأساليب التقليدية في محاولة لاستثمارها لرفع فاعلية کفاءة النظام التعليمي(الخزيم ، 2012).
کما لوحظ أن طرق التدريس المستخدمة حالياً لا تتواکب مع الانفجار المعرفي والتدفق الهائل في البيانات والمعلومات والاعتماد على طرق تقليدية تلقينية, الأمر الذي يستلزم معه البحث عن طرق تدريسية جديدة تتلاءم مع هذا الانفجار مما يجعل الطالب محورا للعملية التعليمية .
لذلک جعلت الوزارة من ضمن أهدافها ضرورة الارتقاء بأساليب وطرق التدريس ليصبح فيها جذب للمتعلم وهذا ما أکدت عليه دراسة ( الجهيمي ، 2010م) بأنه يجب على مسئولي التربية والتعليم الاهتمام بطرق التدريس الحديثة التي تؤکد على ايجابية المتعلم .
وبالنظر إلى مقررات العلوم الشرعية ومنها مقرر الفقه الذي يعد أحد العلوم الشرعية الهامة التي بذل لها أئمة الإسلام جهودهم دراسة وفهماً واستنباطاً ، کما أن الفقه له أهمية عظيمة في حياة الفرد والمجتمع حيث يحتاج المسلم إليه في جميع أمور حياته ( الجهيمي ،2008) , لوحظ أنها لا تتجاوز الإطار النظري وان طرق التدريس المستخدمة في تدريس مقرر الفقه تقليدية ترکز على المعلم ويکون دور المتعلم سلبي مع العلم أنه لا بد أن تنتقل من الجانب النظري إلى الجانب التطبيقي وهذا ما أشارت إليه دراسة (الاکلبي ، 2012) إلى وجود جمود في أساليب تدريس العلوم الشرعية وخلوها من التشويق وکثرة الانتقادات الموجهة لها واستمرارها على الأسلوب التقليدي في الترکيز على المعلم ووجود تعويل کبير في التحصيل القائم على التلقين الذي يقف معه المتعلم موقف المتلقي,الأمر الذي ترتب عليه تدني تحصيل الطلاب وضعف اتجاهاتهم نحو مقرر الفقه , وأکدت ذلک دراسة ( الجهيمي ،2008), حيث أشارت هذه الدراسات إلى ضعف مستوى تحصيل الطلاب في مقررات العلوم الشرعية ومنها مقرر الفقه لذا وجب إعادة النظر في الطرق المستخدمة في تدريس مقرر الفقه لمواکبة الاتجاهات الحديثة في التدريس والتي ترکز على ايجابية المتعلم والاستفادة من دمج التکنولوجيا في التعليم أملاً في رفع مستوى تحصيلهم الدراسي وتنمية اتجاهاتهم الايجابية نحو التعلم. کما إن دمج التکنولوجيا في العملية التعليمية أصبح ضرورة عصرية ما يستلزم العمل الجاد لجعل التکنولوجيا عنصرا أساسيا في التعليم، خصوصا بعدما أيقنا أن التعليم التقليدي لا يتناسب مع الجيل الحالي ، وأن طرق التدريس التقليدية أصبحت غير مجدية، ولا تثير شغف الطالب نحو التعلم؛ حيث تشغل التکنولوجيا فيها حيزا کبيراً، فأصبح هذا الجيل في حاجة لتسخير التکنولوجيا، لإضافة الإثارة والتشويق والفضول لعناصر البيئة التعليمية المتعددة من مواد المنهاج الدراسي، والفصول الدراسية، ووسائل التواصل الفعالة بين المعلم والمتعلم، تلبيةً للاحتياجات الفردية والخاصة لکل طالب ( آل فايز ، 2009م).
إن استخدام التکنولوجيا في التعليم يعزز من أساليب التواصل التعليمي، فتتاح الفرصة للمشارکة والاستماع والتفکير والتفسير، لإحداث نمواً متزناً عند المتعلمين في مختلف النواحي المعرفية والمهارية والعاطفية، وإيجاد المهارات التحليلية التي يقوم بها المدرس من خلال البحث والتدريب والتقويم لتحقيق الأهداف المطلوبة (سليم ، 2011م) وإن تطور التکنولوجيا الحديثة أظهر لنا فکرة التدريس المقلوب ( Jeremy ,2007) التي تعد من أهم الاستراتيجيات الحديثة والتي نشأت في غضون سنوات عديدة من التطور التربوي في التعليم العالي الذي شهد مزيجاً متزايداً بين خبرات الالتقاء وجهاً لوجه داخل الفصل الدراسي مع خبرات التعلم عبر الإنترنت من المحتوى الموزع , فهذا المزيج من الخبرات قد تم تسميته بالتعلم المختلط ( Marco , 2010) . وقد أثبتت البحوث أنه لإنجاح بيئة التعلم المختلط لابد من هيکلة الشکل العام للتعلم وجهاً لوجه بالتنسيق مع التعلم عبر الإنترنت لکى تدعم إحداها الأخرى ويتمکن الطلاب من تحقيق أهدافهم التعليمية المرجوة ، وقد أشارت العديد من الدراسات (آل فايز ، 2009), ودراسة ( الاکلبي ، 2012م) ودراسة ( ليج وبلات ، 2000م) ودراسة (جيرمي ، 2012م) إلى أن الطلاب باستخدام التدريس المقلوب يأتون إلى الفصل ولديهم الاستعداد التام لتطبيق تلک المفاهيم، والمشارکة في الأنشطة الصفية، وحل المسائل التطبيقية بدلاً من إضاعة الوقت في الاستماع إلى شرح المعلم , کما أن من أفضل الممارسات حول تطويع التقنيات الحديثة لتطوير طرق التدريس مفهوم «التدريس المقلوب»، ففي السياق التقليدي يقوم المعلم بشرح الدرس داخل الفصل بينما يترک للطلاب تعميق المفاهيم المهمة في المنزل، من خلال الواجبات المنزلية، الأمر الذي لا يراعي الفروق الفردية للطلاب، أما فى نموذج التدريس المقلوب فيقوم المعلم بإعداد ملف مرئي يشرح المفاهيم الجديدة باستخدام التقنيات السمعية والبصرية وبرامج المحاکاة لتکون في متناول الطلاب قبل الدرس، ومتاحة لهم على مدار الوقت، وبهذا يتمکن الطلاب عامة، ومتوسطوا الأداء المحتاجون إلى مزيد من الوقت بشکل خاص، من الاطلاع على المحتويات التفاعلية مرات عدة ، ليتسنى لهم استيعاب المفاهيم الجديدة, وهذا يضمن الاستغلال الأمثل لوقت المعلم أثناء الحصة، حيث يقيم المعلم مستوى الطلاب في بداية الحصة، ثم يصمم الأنشطة الصفية من خلال الترکيز على توضيح ما صعب فهمه، ومن ثم يشرف على أنشطتهم ويقدم الدعم المناسب لأولئک الذين لايزالون بحاجة للتقوية، وبالتالي تکون مستويات الفهم والتحصيل العلمي لدى جميع الطلبة عاليةً جدا، لأن المعلم راعى خصوصية قدرات کل طالب على حدة، وکذلک يعد «التدريس المقلوب» إحدى الوسائل التي من خلالها تلعب التکنولوجيا دورا أکبر في حل مشکلة الفجوة القائمة بين الدراسة النظرية للعلوم والمعارف وبين الجانب التطبيقي لها في الحياة العملية، ما يجعل هذه الأنشطة الصفية , ضمن النموذج المشار إليه مما تساعد في القضاء على جمود العملية التعليمية، وهذا بالتالي سيعالج أحد أهم الأسباب التي تدفع الطلاب نحو العزوف عن التعلم بشکل عام وعن المسار العلمي بشکل خاص.
ومن هذا المنطلق رأى الباحث ضرورة الاستفادة من طرق التدريس الحديثة ومنها التدريس المقلوب ومعرفة أثره على تحصيل طلاب الصف الثالث متوسط في مقرر الفقه حيث تبين للباحث من واقع خبرته ندرة الدراسات المحلية والعربية التي تناولت التدريس المقلوب , ومن هنا جاءت الحاجة إلى استخدامه وذلک محاولة من الباحث إلى التعرف على فاعلية التدريس المقلوب في تحصيل طلاب الصف الثالث المتوسط في مقرر الفقه .
أما عن تفعيل التکنولوجيا الحديثة ودمجها في الإستراتيجية فقد اختار الباحث أحد هذه التقنيات وهي تقنية البروجکتور التفاعلي Interactive projector وهو عبارة عن جهاز عرض فوق الرأس يجمع بين التفاعلية والعرض في وقت واحد ويمتاز بتوافقه مع السبورة الذکية ، حيث يعمل هذا النوع من التقنية بدون توصيل أجهزة الکمبيوتر ويتيح للمستخدم إنشاء وتصميم وتسجيل مقاطع الفيديو وتحويلها الى روابط مباشرة ، مع إضافة عنصري التشويق والجذب من خلال الأقلام الالکترونية المستخدمة والمتوافقة مع هذا النوع من البروجکتور .