للغة وظيفة کبرى في حياة الإنسان؛ فهي أداته للتعبير عما في نفسه من أحاسيس وأفکار، وهي وسيلته للاتصال بغيره، وبهذا الاتصال يحقق المرء مآربه ويشبع حاجاته، کما أنها تهيئ له فرصًا کثيرة للإفادة من أوقات الفراغ، ويتم ذلک بشکل أساسي من خلال القراءة التي تجعله يطل على عالم أرحب زمانًا ومکانًا، فتزيد معارفه وتنمو خبراته. (عبدالباري، 2:2009)
ويشير (حمدان، 2011: 8) الى أن القراءة من مجالات النشاط اللغوي المتميز في حياة الفرد والجماعة، باعتبارها أداة اکتشاف المعرفة، والاتصال بما أنتجه - وينتجه - العقل البشرى، فعن طريقها ينطلق الفرد في التعليم المستمر الذي أضحى ضرورة حتمية في ظل العصر الذي نعيش فيه، وهذا الدور الذي تلعبه القراءة في عملية التعلم جعلها تتضمن مجموعة کبيرة من المهارات، بعضها يرتبط بالتعرف، وبعضها يرتبط بالفهم ، وإن کان التعرف لا ينفصل عن الفهم ، إلا أن الهدف الأساس والأهم من القراءة هو الفهم بما يشمله من مهارات مختلفة.
ويوضح (العرقاوي، 2008: 3) أن القراءة تمثل إحدى مهارات اللغة وترتبط بمجموعة من المهارات الفرعية الذهنية والأدائية ومنها: النطق الصحيح وفهم النص وتحليله، وبناء المعني المقصود، وتحديد أوجه الضعف في جوانب بنية النص المختلفة، والعديد من المهارات الأخرى.
ويشير ( عبدالباري، 2009: 73) إلى أن الفهم القرائي هو الغاية الرئيسة من درس القراءة ، وتتجلي أهميته بارتباطه بالثروة اللغوية للطلاب بمعانيها الحرفية والمجازية ؛ إذ بدون هذه الثروة اللغوية لا يفهم المتعلم ما يقرأ، کما أنه يساعد في تطوير بعض المهارات مثل : "القدرة علي تحديد التفاصيل ، وتذکر الحقائق ، وتعيين الفکرة المرکزية الصريحة أو الضمنية ، وفهم تنظيم نص معين ، من حيث تسلسله الموضوعي أو الزمن ، ومهارة تنفيذ التعليمات ، واستخلاص النتائج ، والتنبؤ بالأحداث ، والتعبير عن المشاعر ، وتحليل الشخصيات ، وحل المشاکل ، والقدرة على النقد ، وإصدار الأحکام علي ما يقرأ".
وبالرغم من أهمية الفهم القرائي وما يقابل هذه الأهمية من اهتمام؛ سواء من حيث اهتمام وزارة التربية والتعليم به وجعله هدًفا رئيسًا من أهداف تعليم اللغة العربية ، أو من حيث اهتمام الباحثين بتنمية مهاراته ، فإن الدراسات والبحوث في هذا المجال قد أکدت وجود ضعف لدى طلاب المراحل التعليمية المختلفة في مهارات الفهم القرائي کدراسة ( السيد ، 2009 ) ودراسة ( حافظ ، 2008 ) ، ومن مظاهر ضعف الطلاب في الفهم القرائي الضعف في تحديد العنوان الرئيس للموضوع والقصور في تحديد تفاصيل الموضوع، والتدني في استنتاج الفکرة الرئيسة للفقرة و ضعفهم في استنتاج هدف الکاتب و عدم التمييز بين الحقيقة والرأي، وعدم التمييز بين ما يتصل بالموضوع وما لا يتصل به، وضعف الميول القرائية لدى الطلاب.
ومن الأسباب الرئيسة في ضعف الفهم القرائي وتدنى مستوى الميول القرائية لدى طلاب المرحلة المتوسطة استراتيجيات التدريس التي يستخدمها المعلم ويؤيد ذلک عدد من الدراسات السابقة کدراسة ( العذيقي ، 2009 ) و دراسة ( موسى ، 2008 ) ودراسة ( عبدالحافظ ، 2007 ) ودراسة( عبدالخالق ، 2006 ) ، التي أکدت أن الإستراتيجيات القرائية -في معظمها- لا زالت قاصرة عن تنمية مهارات الفهم القرائي، بل –وربما- تؤدى إلى عزوف الطلاب عن القراءة وممارستها، مع کونها عادة عقلية يجب الترکيز عليها في مراحل مبکرة.
وباستقراء الاتجاهات المعاصرة في التعليم والتدريس، أوضح مارزانو وآخرون في دراستهم (Marzano, et.al 1992a: 18) ، و (Marzano, et.al 1992b: 58 ) أن التعليم يجب أن يتحول إلى بناء معرفة، ترتبط ببناء تصورات ذهنية واضحة حول عناصر الخبرة التعليمية المقدمة للطلاب. وفى هذا السياق قدم مارزانو وآخرون نموذج أبعاد التعلم باعتباره نموذجًا تعليميًا في تفسير التعليم والتفکير. وارتبط نموذج مارزانو بمجموعة من الأبعاد يمکن توضيحها کما يلي:
ý البعد الأول في التعلم: تنمية اتجاهات وإدراکات إيجابية عن التعلم: (اتجاه المتعلم نحو المادة الدراسية، واتجاه المتعلم نحو الزملاء والبيئة المدرسية، واتجاه المتعلم نحو المعلم)
ý البعد الثاني: اکتساب المعرفة وتکاملها؛ (معرفة تقريرية -معرفة إجرائية)
ý البعد الثالث: تعميق المعرفة وتنميتها؛ منها (مقارنة – تصنيف – استقراء -استنباط -تحليل الخطأ -بناء الأدلة – التجريد – تحليل المنظورات)
ý البعد الرابع: استخدام المعرفة على نحو ذي معني خلال عمليات الاستقصاء والبحث التجريبي وحل المشکلات –والاختراع
ý البعد الخامس: تنمية عادات العقل المنتج بتنمية مجموعة من العادات؛ منها: (المثابرة والمرونة في التفکير، والتواصل والدقة، والبحث عن المعنى)
وأشار مارزانو في تحليله لنموذج أبعاد التعلم إلى إمکانية استخدامه کمنطلق فکري للمعلمين؛ لتوظيف فکرة الترابط بين المعرفة بمستوياتها المختلفة، مع تنمية الاتجاهات الايجابية نحو مکونات الموقف التعليمي مع الترکيز على تکرار التعلم، ومعالجته باعتباره مجموعة من العادات. ( (Marzano, 1992c: 18
وقد تناولت العديد من الدراسات نموذج أبعاد التعلم في عمليات تطوير استراتيجيات التدريس عبر مواد دراسية مختلفة؛ منها دراسة (الحاروني، 2003: 9)، ودراسة (فائز، 2007: 34)، ودراسة (Stan, 2005: 11) وقد رکزت تلک الدراسات السابقة على توظيف نموذج أبعاد التعلم في بناء المعرفة العلمية من خلال مجموعة من الإجراءات الاستراتيجية، والتي تأتي على صورة نماذج عدة؛ منها على سبيل المثال: نموذج الاهتمام بالمعرفة والترکيز عليها Focus on knowledge والذي يتضمن ثلاث خطوات هي :
١. الخطوةالأولى: يحدد المعلم المعلومات المراد تدريسها، والخطوات والعمليات المرتبطة، والتي سيکون الترکيز عليها في الدرس (البعد ٢).
٢. الخطوةالثانية: يختار المعلم المهام التي تسهم في تعميق المعرفة وصقلها، وتحديد الأنشطة والتعزيزات؛ بحيث يسهم ذلک في فهم الطلاب للمعلومات الموجودة في الخطوة الأولى.
٣. الخطوةالثالثة: يختار المعلم مهام ذات معنى للاستخدام والتطبيق (البعد ٤ (، والتي تسهم في تدعيم وتعميق الفهم للمعلومات والإجراءات الموجودة في الخطوة الأولى.
ونظرًا لاستخدام المعلمين استراتيجيات تقليدية في مجال القراءة بصفة عامة، والفهم القرائي بصفة خاصة فإن البحث الحالي يستهدف استخدام نموذج أبعاد التعلم کأحد النماذج الحديثة، وتوظيفه بصورة إجرائية في تدريس القراءة؛ لتنمية مهارات الفهم القرائي لدى طلاب المرحلة المتوسطة.