على الرغم من الأدوار الإيجابية التي قام بها الجيش النظامي بكل من المغرب والجزائر في القرن 12هـ/18م، والمتمثلة في تقديمه تضحيات جسيمة لتأمين حدود هذين البلدين ضد الخطر الخارجي ولتحقيق الاستقرار بهما، فقد وَثَّقَ هذا البحث أيضًا وبمستويات متفاوتة، لسلوك عناصر هذا الجيش وهي تتدخل في الشأن السياسي وتعمق أزمته من خلال قتل أو سجن أو مطارة حاكم الدولة ومساعديه في الحكم ومقايضتهم باعتلاء مناصبهم واستمرارهم فيها بمنحهم امتيازات كبيرة. كما وثق البحث لعناصر الجيش وهي تنهب الأهالي وتقتلهم ودن أمر من الحاكم. وفي مقابله قدم البحث أيضًا شواهد تاريخية تفيد باختلاق الحكام للحروب للقضاء على الفرق المتمردة من الجيش، وبهجوم القبائل على قلاع هذا الأخير ونهبها وقتل أو أسر أفراده وبيعهم كعبيد في فترات ضعف السلطة المركزية. ولعل حالة الفعل ورد الفعل بين هذه الأطراف وما نتج عنها من قتل لكوادر الإدارة ورؤساء الجند ومن تخريب للقلاع وغيرها من النتائج؛ هو ما أدى إلى إضعاف الدولة المغاربية في هذه المرحلة إداريًا وأمنيًا وكلفها ماديًا. ولم تكن فرق الجيش في هذين البلدين على درجة المسؤولية نفسها فيما حصل، والملاحظ أن جيش "عبيد البخاري" بالمغرب وجيش "الإنكشارية" بالجزائر هما من يتحملان القسط الأكبر من هذه المسؤولية. ولم يقف هذا البحث عند التفسير التقليدي لتصرفات الجيش النظامي بربطها فقط بالجانب المادي بل استحضر طريقة تأسيس هذا الجيش في المغرب ومدى نجاعة هذه الطريقة، وبحث في المهام الخطيرة التي أسندت لقادة جيوش الولايات العثمانية عند إحداثها في القرن السادس عشر الميلادي وكيف ساهم ذلك في هيمنة السلطة العسكرية على الحياة السياسية مع توالي السنين، إلى غير ذلك من العوامل التي تسعى لتقديم تفسير مقنع.

الاستشهاد المرجعي بالمقال:
رشيد زين العابدين، "دور الجيش النظامي بالبلاد المغاربية في إضعاف الدولة خلال القرن الثامن عشر الميلادي: جيشا المغرب والجزائر كنموذج".- دورية كان التاريخية.- السنة الرابعة عشرة- العدد الثالث والخمسون؛ سبتمبر 2021. ص 145 – 153.