حاول کل العلماء ومن مختلف الحضارات أن يقدموا رؤيتهم لتفسير هذه ظاهرة عملية الاحتراق (بغض النظر عن المصدر الحراري)، خصوصًا وأنها مسؤولة عن تشکّل النيران بالدرجة الأولى. لم تبحث الدراسات العلمية التاريخية (سواء العربية أو الأجنبية) کثيرًا في تأصيل الإسهامات العلمية العربية المتعلقة في نظرية الاحتراق والتنفس. لذلک فإننا نهدف من خلال هذا البحث وضع النظرية العربية في مجال الاحتراق والتنفس في سياقها التاريخي العلمي. کما نسعى من خلال هذا البحث إلى التأريخ لبداية الکشف وجود صلة وعلاقة بين الاحتراق والتنفس منذ أيام اليونانيين مرورًا بالعلماء العرب الذي تأکدوا من هذه الصلة تجريبيًا في القرن العاشر الميلادي، إلى الأوربيين الذين توصلوا إلى هذه العلاقة بشکل نهائي في القرن السابع عشر الميلادي. وقد رکزنا جهودنا في استقصاء هذه الإسهامات في مظانها ومصادرها المخطوطة، متبعين المنهج المقارن والمنهج التاريخي الاستردادي لاستجلاء أوجه الشبه والاختلاف بين مختلف الآراء والأفکار المطروحة لتفسير الظاهرة. وذلک ضمن المجال الزمن الواقع بين القرنين (5 ق.م) و(19م). وقد توصلنا إلى أن أول إشارة نظرية لدور الهواء في عملية الاحتراق ظهرت عند أبو بکر الرازي في القرن العاشر الميلادي. وقد لحقه في هذا الاتجاه الفارابي. کما أنه قد يکون ابن الحائک الهمداني أول عالم عربي يقدم لنا دليل تجريبي علمي على وجود علاقة بين الهواء الجوي وعملية الاحتراق، قبل ظهور أي نظرية مماثلة في أوربا بنحو ستة قرون.

الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
سائر بصمه جي، "تفسير عملية الاحتراق والتنفس عبر العصور: وضع النظرية العربية في سياقها التاريخي العلمي: دراسة سردية تحليلية".- دورية کان التاريخية.- السنة الرابعة عشرة- العدد الثاني والخمسون؛ يونيو 2021. ص 59 – 82.