تحاول هذه الدراسة مقاربة موضوع الفضاء العام من الناحية التاريخية، من خلال تقصي مدى حضور هذا المفهوم في دول الغرب الإسلامي خلال الفترة الوسيطية، وتتبع تجليات علاقة کل من السلطة الحاکمة والقوى المنافسة بهذا الفضاء. وقد أبانت مباحث الدراسة على احتضان حواضر الغرب الإسلامي لفضاءات عامة متعددة اتسمت بطابع العمومية، واحتفظت برمزية مهمة في نظر السلطة والمجتمع، کما هو الحال بالنسبة للرحاب والمساجد الجامعة والأبواب الرئيسة في المدن. وبحکم أهمية هذا الفضاء في التأثير على سير الأحداث وتوجيهها، فقد کان مجالاً للصراع السياسي بين القوى المتنافسة خلال العصرين الموحدي والمريني، کما دفع بالسلطة الحاکمة إلى محاولة فرض الحصار على مختلف مکونات الفضاء العام وتشديد الرقابة عليه، فضلاً عن استغلاله لتعزيز شرعيتها في نظر المجتمع. إلا أنه على الرغم من الطابع المغلق الذي ميز دول الغرب الإسلامي خلال هذه الفترة، فإن ذلک لم يمنع "المعارضين" من استغلال هذا الفضاء من أجل توجيه رسائل النقد وعدم الرضا على بعض قرارات السلطة الحاکمة. قد يکون الفضاء العام في الغرب الإسلامي في الفترة الوسيطية مخالفًا في جوهره للمفهوم الذي ظهر به في الغرب، بحکم الاختلاف الحاصل بين الجانبين على مستوى المکان والزمان وطبيعة الثقافة المؤطرة، إلا أن الدراسة خلصت إلى حضور هذا الفضاء العام في ثقافة العصر الوسيط سواء على مستوى تخطيط المدينة مثل الرحاب، أو على المستوى الوظيفي لبعض الفضاءات التي منحتها الشريعة الطابع العام الوظيفي مثل المساجد. لکن الظاهر أن الطابع الديني قد طغى على معظم الفضاءات العامة، وذلک بحکم تحکم الشريعة الإسلامية في تأطير مختلف جوانب الحياة العامة.

الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
المحجوب قدار، "الفضاء العام في الغرب الإسلامي بين السلطة الحاکمة والقوى المنافسة: قضايا ونماذج (ق6- 8هـ/ 12-14م)".- دورية کان التاريخية.- السنة الرابعة عشرة- العدد الثاني والخمسون؛ يونيو 2021. ص 35 – 44.