يُطرح اليوم سؤال مرکزي حول مسوّغات تدبير الاختلاف مع أقليات دينية تعيش في بلدان ذات أغلبية مسلمة، وکيف يتم تحويله إلى مصدر غنى وقوة، بعيدًا عن کل مبررات اللجوء إلى العنف والإقصاء باسم الإسلام. والمغرب استطاع في مرحلة من تاريخه تدبير تعايش المسلمين مع طوائف مسيحية تعاظم انتشارها منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، في الوقت الذي تنامى فيه أيضا العداء ضد الأجانب خصوصًا بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830م. وتأتي هذه الورقة البحثية، لتدخل الفترة ما بين 1850-1912 إلى مشرحة التحليل، ولتتعاطى مع أبعاد ظاهرة تعايش المغاربة مع الأقلية المسيحية في توترها وديناميتها وأنماط علاقاتها التفاعلية، مع محاولة لتقديم الإجابات عن البياضات التي ترکتها الکتابات السابقة. ولذلک ستکون الإشکالية کالآتي: کيف دبّر الحکام المغاربة الشأن الديني المسيحي في بلد يدين غالبيته بالإسلام، وفي فترة حرجة موسومة بالأطماع الاستعمارية؟ ولأجل ذلک، حاولنا معالجة هذا الموضوع من خلال محورين رئيسيين؛ في المحور الأول، تناولنا بعض الآليات التي اعتمدها الحکام المغاربة في تدبير الشأن المسيحي على أرض المغرب مثل الترخيص للطوائف المسيحية ببناء کنائسهم وتهييء مقابر لدفن أمواتهم، وذلک ضمن سياسة واضحة ترمي إلى ضمان حرية المعتقد دون أي تعصب ديني أو إقصاء للأقليات الدينية. وفي المحور الثاني، حاولنا إبراز دور الديبلوماسية الدينية کآلية أخرى فعالة في تجسير الروابط التاريخية بين المغرب والفاتيکان بشکل خاص، وبين الإسلام والمسيحية بشکل عام. وعموما خلصنا إلى بعض الخلاصات ترتبط في مجملها ارتباطا وثيقا بالذهنية المتسامحة المتأصلة في المغاربة، واستعدادهم الفطري لقبول الآخر ومحاولة إدماجه في فضاءاتهم العامة والخاصة، مستندين بذلک إلى سياسة تقرّ بالاختلاف والتنوع، وتقوم على تدبير عقلاني للخلاف الموجود في الثقافة والدين.

الاستشهاد المرجعي بالمقال:
محمد الصديق احمموشي، "آليات تدبير الشأن الديني المسيحي في المغرب (1850 -1912)".- دورية کان التاريخية.- السنة الرابعة عشرة- العدد الحادي والخمسون؛ مارس 2021. ص 81 – 88.