فتح التّاريخ الکمِّي Quantitative History وسائل وآليات منهجيّة جديدة أمام المؤرخين للبحث التّاريخي الاستردادي، والاقتراب أکثر من الحقيقة التّاريخية، من خلال إجراء العمليات الإحصائية التراکمية کبديل عن الدراسات التقليدية. وتعتبر دراسة المؤرّخ العراقي سيّار الجميل "المجايلة التّاريخية، فلسفة التّکوين التّاريخي، نظرية رُؤيوية في فلسفة تاريخ الثقافة العربية والمعرفة الإسلامية" نموذجًا لتوظيف هذا التاريخ الکمِّي، حيث اعتمدت برامج بحثية إحصائية على الکمبيوتر، تدرس، تُحصي وتُحلِّل أعداد العلماء، الولادات، الوفيات والأمکنة، وتُقدِّم إحصاءات بأعداد الکتب وتوزيعاتها في الأزمنة والأمکنة، في دراسةٍ تستجلي أهمية الأجيال العربية الإسلامية، على امتداد قرابة خمسة عشر قرنًا (599-2099م)، من تطوُّر الثّقافة والمعرفة في الحياة الإنسانية. لقد أدرک الجميل، الفرق الشَّاسع بين کتابة التاريخ، والکتابة عن التاريخ أو في التاريخ، وهو الفرق نفسه بين التَّاريخ والمعرفة التَّاريخيَّة، لذا فقد حاول المؤرِّخ أن ينقل التَّاريخ إلى شروط المدد الطويلة، حتى لا نتيه في زمن تشظِّي المعاني وتشتُّتِها، ولعلَّها مهمة المؤرخ الأولى والرئيسية في زمن العولمة، الذي بالکاد نجد فيه شيئًا يجمعنا، ويستحقُّ تضحيتنا، کي ما يبقى مستمرًا ومتواصلاً. إن کتاب "نظرية الأجيال"، ومن خلال توظيف التَّاريخ الکمِّي، يعتبر نظريةً رؤيويةً ذکيّةً لدراسة تاريخنا الحضاري، مُدعّمةً بالأمثلة، الشّواهد، الرسوم، الأرقام والجداول، کُتبت بمنهجيّةٍ جديدةٍ، من أجل إعادة ترکيب الحياة الثَّقافية في تاريخ العرب والمسلمين، لکن بالمقابل فإن هذا المبحث الجديد، وبسبب ارتباطه بالتِّقنيَّة وبالعالم الرَّقمي، التي وبقدر ما فتحت من آفاقٍ واسعةٍ للإبداع والابتکار، بقدر ما تطرح مسائل منهجيةٍ ومعرفيةٍ عويصةٍ حول "التَّاريخ الکمِّي أو التَّاريخ بالعدد".

الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
حسن بربورة، "توظيف التّاريخ الکمِّي الثّقافي: نظرية الأجيال عند سيار الجميل أنموذجًا".- دورية کان التاريخية.- السنة الرابعة عشرة- العدد الحادي والخمسون؛ مارس 2021. ص 70 – 80.