تضمنت الدراسة متابعة تأريخية للشهادات الإسرائيلية المتعلقة بالحروب العربية الإسرائيلية في الحقبة (1948-1973)، التي تم إستخلاصها من المذکرات الشخصية لقادة سياسيين وعسکريين إسرائيليين فضلاً عن الدراسات التأريخية، والصحف الإسرائيلية المترجمة عن العبرية. إن التعامل مع الشهادات الإسرائيلية يتطلب من الباحث الحذر في توثيق المعلومة قبل مراجعتها وتدقيقها، وذلک لکون أغلب القادة الإسرائيليين يعدّون منظّرين لدعاية مضادة تهدف إلى إضعاف معنويات المقابل وتحقيق ما يعرف بـ (الهزيمة النفسية)، لذا يلاحظ القارئ المطّلع عند قراءته المذکرات الشخصية الإسرائيلية على سبيل المثال تأکيدها على إبراز جانب التفوق الإسرائيلي في مختلف المجالات، ومحاولة إظهار الآخر بمظهر المتأخر عن مواکبة الحضارة والتقنية بما فيها التقنية العسکرية. کما إن وجهة النظر الإسرائيلية تبرر کل اعتداء عسکري إسرائيلي على أنه واجب مشروع يهدف إلى ردع التجاوزات العربية على حدود دولة إسرائيل الناشئة، وإن تلک العمليات العسکرية لابد منها لتحقيق الحدود الآمنة لإسرائيل. اعتمدت الاستراتيجية الإسرائيلية على الحرب الهجومية المباغتة وعدم إعطاء الفرصة للخصم بأن يکون هو البادئ لأن ذلک سيدفعهم إلى اتخاذ موقف دفاعي (سلبي). لقد تم تطبيق تلک الاستراتيجية بنجاح في حربي 1956 و1967، إلا إن الأمر اختلف تمامًا في حرب تشرين الأول/ أکتوبر1973، إذ إن القوات العربية کانت هي البادئة في شن الهجوم العسکري کما إنها اختارت توقيتًا مناسبًا باغتت فيه الجانب الإسرائيلي حين تزامن الهجوم مع (عيد يوم الغفران) وهو من الأعياد المقدسة لدى اليهود إذ يکون تواجدهم في الغالب إما في بيوتهم أو في دور العبادة، وبذلک حقق الجانب العربي في هذه الحرب عنصر المفاجأة، وتحققت له نجاحات واضحة في الأيام الأولى للحرب. إلا إن التدخل الأمريکي وما رافقه من ضغوط على القيادتين المصرية والسورية قد أحال تلک الحرب من حرب تحرير للأرض إلى حرب تحريک للموقف السياسي الذي اتسم بالجمود، وتم بناءً على ذلک الدخول في مفاوضات سياسية لفک الاشتباک بين القوات العربية والإسرائيلية. ولا يفوتنا أن نذکر أخيرًا بأن بعض الشهادات الإسرائيلية اعترفت بالتفوق العربي في مراحل مختلفة من الصراع وغالبًا ما کان هذا الاعتراف مقترنًا بتسليط الضوء على جوانب التقصير الإسرائيلي ومحاولة تفاديه في الجولات العسکرية القادمة.

الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
يوسف محمد عيدان، "الصراع العربي – الإسرائيلي (1948-1973): شهادات إسرائيلية".- دورية کان التاريخية.- السنة الثالثة عشرة- العدد الخمسون؛ ديسمبر 2020. ص 217 – 232.