ينهض کتاب تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة" للعالم المسلم الکبير أبي الريحان البيروني کنموذج دال على أدب الرحلة في بعده التوثيقي العلمي، فالمؤلف عالم له مکانته الکبرى في التراث العلمي العربي الإسلامي، بمؤلفاته العلمية الفذة، في علوم نظرية وعملية وتطبيقية؛ ظلت مرجعا لقرون عديدة لکل من أراد الإبحار والتعلم، ولا تزال تشکل علامات مضيئة في تراثنا الإسلامي العلمي والفلسفي. وقد جاء کتابه المذکور متجاوزًا أدب الرحلة في مفهومه الدارج، والذي يقوم فيه الرحالة بتسجيل الطرائف والعجائب التي تخلب الألباب، وتشوق القراء، ليجعل کتابه مثارًا للمسامرة والتفکه، وتحقق له الشهرة والقربى والحظوة. أما البيروني فقد أراد تقديم صورة صحيحة عن الهند، ينأى عما هو ذائع عنها في المخيلة العربية، من جهالات وأساطير وحکايات، وهي غاية حميدة، تضافرت مع رغبته في إيجاد مرجع علمي شامل عن الهند في عقائدها وعلومها وجغرافيتها، تعين کل من أراد فهم المجتمع الهندي، ومعرفة خباياه، خاصة دعاة الإسلام، وهم ينطلقون لنشره في بلاد لها تاريخها وحضارتها وثقافتها وآدابها الراسخة، والضاربة بجذورها تاريخيًا. في ضوء ما تقدم، تأتي هذه الدراسة، من أجل قراءة هذا الکتاب برؤية تحليلية، تسعى إلى فهم خطابه، ومعرفة السياقات الثقافية والزمنية والمکانية التي أنتجته، وعلاقته شخصية البيروني، العالم والباحث والمترجم والمحقق. لذا، فقد جاءت الدراسة في محاور، متدرجة من العام إلى الخاص، ومن الفکرة إلى المثل، حيث تم التعريف بشخصية البيروني وتکوينه العلمي، ثم الظروف التاريخية التي جعلته يرتحل إلى الهند مرات عديدة، ودوافع تأليفه للکتاب، ومن ثَمَّ استعراض بنية الکتاب، على مستوى المتن والأبواب والطروحات العلمية والفکرية والدينية فيه. أيضًا، فقط توقف الباحث عند الخطاب المقدم في الکتاب بدءا من خطبة البيروني في المقدمة، ثم تحليل النص على مستوى المخاطَب، والسرديات والاقتباسات والاستشهادات، وطريقة البيروني في إيراد المعلومات، وربطها، وتعميقها، وأيضًا تبسيطها بالشرح والتحليل.
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
مصطفى عطية جمعة، "صورة المجتمع الهندي في کتابات الرحالة المسلمين قديمًا: کتاب تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة للبيروني نموذجًا".- دورية کان التاريخية.- السنة الثالثة عشرة- العدد الخمسون؛ ديسمبر 2020. ص49 – 62.