اقتحام مبحث تاريخ القبائل بشکل عام أمر ليس بالهيّن، فطبيعة الذاکرة في القرية يغلب عليها الحفظ الشفوي وتفتقر إلى زخم الأحداث لغلبة "الروتين" واستقرار الحياة، فهي بذلک تختلف بشکل کبير عن نظيرتها في المدينة، وإن کانت الثانية لا تخلو من معلومات عن الأولى، فذاکرة المدينة وما تعرفه من وتيرة سريعة في النمو والحرکة، فضلاً عن تمرکز المؤسسات السياسية والعلمية بها ما حظّها بأفضلية توسيع الذاکرة وغنى الأحداث التي تتضمن أحيانا بعض الجوانب المرتبطة بالقرى ومن ثمّ القبيلة. قبيلة بني حسّان التي تقع في الشمال الغربي للمغرب الأقصى تجسّد هذا الفقر في الذاکرة المدوّنة في مقابل غنى الذاکرة الشفوية إلى حدّ ما، إذ هي الأخرى تحوم حول وقائع ومَرويات محدودة تحمل ما تحمل من التخيُّل والتحريف. حاولت في هذا المقال استخراج ما استطعت من نصوص وإشارات مبعثرة في صفحات بعض المصادر، وکما استندت إلى بعض الروايات الشفوية محاولاً ترکيب نبذة تاريخية محقّقة لتجربة هذه القبيلة في عملية التمازج والانصهار التي حدثت في تاريخها بين ثقافات وأصول متنوعة (الأمازيغية، العربية، الأندلسية)، وذلک بتتبع أصول –نماذج- من أسماء بعض العائلات المعروفة بالقبيلة ومن خلالها الارتقاء إلى الأصول الکبرى، کما ساعدنا استخدام منهج المقارنة والترجيح في استخلاص بعض الآراء المتعلقة بطبونوميا الأماکن ودلالة بعض الکلمات، ثمّ عرّجنا على ذکر أهم المآثر العمرانية الموجودة بالمنطقة، ووقفت في المحور الأخير عند مساهمة أهالي بني حسّان في مقاومة الاستعمار الإسباني وما أبلوه من شجاعة وإصرار فريد.
الاستشهاد المرجعي بالمقال:
أحمد الحبشي، "قبيلة بني حسّان: نموذج للتمازج العرقي في قبائل شمال المغرب".- دورية کان التاريخية.- السنة الثالثة عشرة- العدد الثامن والأربعون؛ يونيو 2020. ص 95 – 103.