تميز البحث التاريخي غداة حصول المغرب على الاستقلال بمحاولات الباحثين المغاربة الرد على الکتابات الکولونيالية، ومحاولة الکشف عن حصيلة الاستعمار وآثاره على المجتمع والاقتصاد المغربيين، لکن في سنوات السبعينيات انتقل الدارسون والباحثون في علم التاريخ إلى الاهتمام بمواضيع أخرى، والتي يمکن تصنيفها إلى ثلاث اتجاهات رئيسة، الاتجاه الأول انکب في عملية تحقيق النصوص التاريخية، بينما الاتجاه الثاني ذهب إلى البحث في التاريخ العلائقي (أي تاريخ العلاقات المغربية بالدول الأخرى)، أما الاتجاه الثالث فاتخذ مسار البحث المونوغرافي کهدف له بُغية التأريخ لمختلف المناطق المغربية. کما تميزت هذه المرحلة کذلک بانتقال نوعي من حيث المادة المصدرية، إذ تم تجاوز المصادر الإرادية کالوثائق الرسمية وکتب الأخبار إلى الاعتماد على أجناس مصدرية لاإرادية (المصادر الدفينة) ککتب النوازل، والتراجم، والمناقب، والحسبة، والرحلات، وحتى الرواية الشفهية بالنسبة للتاريخ المعاصر. وخلال أواخر القرن الماضي ومطلع القرن الحالي، اقتحم المؤرخون مواضيع کانت في السابق حکرا على الجغرافيين والسوسيولوجيين والأنثروبولوجيين، وبرزت معها مجالات بحثية جديدة في الحقل التاريخي بمختلف حقبه لم تکن مطروحة في السابق والتي يمکن تصنيفها ضمن خانة "التاريخ الجديد"، الذي نادت به في أوربا مدرسة الحوليات خلال عشرينيات القرن الماضي، ومن الأسماء المغربية البارزة التي اقتحمت هذا المجال، وصنعت لنفسها مکانا متميزا في فضاء التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والذهني للغرب الإسلامي خلال العصر الوسيط، نجد الدکتور إبراهيم القادري بوتشيش، الذي انکب منذ سنوات في مشروع بحثي يرتکز على دراسة تاريخ الهامش والمهمشين بمختلف أطيافهم في هذه الرقعة الجغرافية من الوطن العربي، متسلحا بخلفية منهجية ونظريات أوربية، تقوم على لم الإشارات التاريخية المتناثرة هنا وهناک، والعمل على إخراجها إلى الوجود، بُغية تسليط المزيد من الأضواء على هذه الفئات الاجتماعية التي همشها التاريخ.
الاستشهاد المرجعي بالمقال:
محمد العساوي، "تاريخ المهمشين في الغرب الإسلامي الوسيط من خلال کتابات الأستاذ إبراهيم القادري بوتشيش: قضايا وإشکالات".- دورية کان التاريخية.- السنة الثالثة عشرة- العدد الثامن والأربعون؛ يونيو 2020. ص 78 – 86.