شخصٌ ذو اطلاعٍ جيّد على مصادر تاريخ بلاد السودان ومصادر أخرى، أقْدَمَ على تزوير کتاب تاريخ الفتاش، ووَضَع فيه نبوءةً على لسان عدد من الأعيان والعلماء المشهورين، منهم جلال الدين السيوطي ومعاصره الشيخ عبد الکريم المغيلي، وشمهروش، وهو جني مذکور في مشيخة رواة متأخرين للحديث النبوي. تنبَّأ تاريخ الفتاش بحدوث دولة يؤسسها السلطان سيکو آمدو (شيخُو أَحْمَدُو) في القرن الثامن عشر، في منطقة ماسِنَه الواقعة في منحنى نهر النيجر، في وسط جمهورية مالي الحديثة، وتنصّ النبوءة على تفاصيل لا تترک مجالا للشک في أن سيکو آمدو هو المقصود بها؛ فتعينه تارة باسمه أو بأوصافه، وتارة بمولده الزماني أو المکاني. ستتناول دراستي النبوءة وتصف مصدرها الأساسي وظروفها الزمانية والمکانية، وتصف المراجع التي نقلتها عن تاريخ الفتاش وموقفها تجاهها، وتقف عند کل نبوءة على حدة ومَنْ نُسِبَت إليه. ثم تحلل الدراسة موضوع النبوءة شرعيًا بالتطرق إلى ضعف الأساس الشرعي الذي انطلقت منه، وتاريخيًا ببيان عدم مطابقة تفاصيل النبوءة للوقائع التاريخية الثابتة. وتنتهي الدراسة إلى أن تفاصيل النبوءة تلوح منها قرائن تدل على التزوير وبينات على الوضع. وتتناول الدراسة تسارعَ أصابع الإدانة بالتزوير إلى أهل ماسِنَه، وهم الجهة المستفيدة من النبوءة، إما إلى کلهم أو إلى بعض معين منهم، وتصف الدراسة المتهِمين والقرائن التي اعتمدوها في تعيين المزوِّر الواضع. لا يمکن إنکار أن النبوءة موضوعة مزوّرة، وأن أصل کتاب تاريخ الفتاش لم يتضمنها. لکن تهمة أهل ماسِنَه بوضعها تثير أسئلة کثيرة، وليس عليها بينات کافية تثبت ما اتُّهِمُوا به، ولم تأخذ التهمة في الاعتبار جميع المعطيات الموضوعية؛ بل قد يکون المتَّهِمون أخذوا في الاعتبار قرائن مؤيدة للإدانة، وأَهْمَلوا قرائن تُبَرِّئ المتّهم.

الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
محمد دوکوري، "التزوير في مصادر تاريخ بلاد السودان: نبوءة في تاريخ الفتاش نموذجًا".- دورية کان التاريخية.- السنة الثالثة عشرة- العدد الثامن والأربعون؛ يونيو 2020. ص 21 – 33.