حاولت الدراسـة فک شفرة ظاهـرة الدعارة والبغاء التي عملت الذاکـرة الاجتماعية في البلاد التونسية وجميع الدول العربية دون استثناء على طمسها من التاريخ وکرست کل الأساليب لتغييبها واعتبار الخوض فيها ضرب من ضروب المس بالمحظورات. فهي ظاهرة محـرّمـة في جميع الأديان السماوية وأدخلها الدين الإسلامي في باب الکبائر، وتنافي الأعـراف المحليـة والنواميس الجمعية، حيث رُبطت الممارسـة الجنسية خارج إطار الزواج بالجـرم في الحق النفسي والحق العائلي والحق العشائـري. إذ شددت المنظـومـة الفکـرية التـونسيـة والعربية والإسلاميـة عمـومًا على ربط طهارة الفتاة بالعـفة، فالمـرأة هي شـرف العائلة والقبيلة، وأيّ ممارسة لها للجنس أو حتى الوقوف مع رجل خارج إطار الزواج يحـوّلها إلى فاجـرة وعاهـرة ويتبرأ منها أهلها وعشيرتها وقد يحکم عليها بالطرد أو حتى القتل لردم "العار" الذي ألحقته بنفسها وأهلها وعشيرتها. فکانت الأنثروبولوجيا التاريخية أداتنا لفک طلاسم وخبايا هذه الظاهرة، ولو بإيجاز، بالبلاد التونسية في فترة الاحتلال الفرنسي وما قبله. فلم يغب البغاء في الفترة الحديثة من تاريخها لکنـه لم يکن مقننًا بل کان سريًا أو في أماکن الکيف والرقص نتيجة صرامة القوانين وشدة العقوبة، وإن عُرف مع قانون عهد الأمان سنة 1857 شبه تقنينًا وحدد أجرًا بين الحريف والمومس خاصةً مع التوافد الکبير للأجانب على البلاد والامتداد الحضري نتيجة الموجات المتتالية للنازحين خاصةً بالحاضرة تونس. ومع التواجد الفرنسي سنة1881م قُنـّنت الدعارة، وفُتحت أماکن خاصة سميت بالمـواخيـر، وخضعت العاهرات للرقابة الأمنية والصحية وکأننا نتحدث عن "موظف في الدولة"، واجتاحت البلاد مافيات الدعارة العالمية، وواصلت بيوت المواعيد السرية عملها. ولم نکـن لنضع الدراسة بغية السرد، ولکن هي محاولة لمحاکاة الواقع باعتماد المقارنة بين فترتين زمنيتين والمقارنة مع دول مجاورة وهي الجزائر ومصر حتى نتمکن نقل صورة أقرب للحقيقة دون تستر أو مغالاة.

الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
بلقاسم بنعبد النبي، "الدعارة في تـونس قبيل وأثناء الفترة الاستعمارية (1830 - 1939): دراسة مقارنة مع الجزائر ومصر".- دورية کان التاريخية.- السنة الثالثة عشرة- العدد السابع والأربعون؛ مارس 2020. ص 151 – 162.