جامعة الزَّيتونة جامعة متأصلة في الوجدان الإسلامي منذ تأسيسها سنة (114ه/732م)، وإحدى لبنات البناء المعرفي العلمي العرفاني العالمي، لـمـَا تزخر به من مُقوِّمات فکريَّة تستند إلى رؤية رساليَّة، جعلت منها ملاذًا لمن يريد الهرولة اتجاه الله بقلبٍ سليم. لقد زخرت هذه المؤسسة طوال حياتها بمشايخ وعلماء أرسوا منهجها ودافعوا عن حياضها بما رسمه الأوائل المؤسسين وتلامذتهم التَّابعين، هذا المنهج المتسم بالوسطيَّة والاعتدال الذي يجمع ولا يُفارق، المبني على الورع والذَّهاب نحو الأحوط حتى لا يُوقع الأمَّة الإسلاميَّة في براثن الاختلافات الذي لا طائل منها سوى المراء والجدال، ومن ثُمَّ الفرقة، کان هو عزمها وديدنها. إنَّ الغاية من هذا البحث المقدَّم هو تقديم أنموذج دراستنا ألاَ وهو جامع الزَّيتونة المعمور وفکره الاستراتيجي کمؤسسة دينيَّة علميَّة تختزن بين جنباتها کوادر وإطارات تمتلک فکرًا استراتيجيًا بناء على مخزون هاته المؤسسة الحضاري، وقادرة على تصحيح وتعديل المسارات بين الفينة والأخرى، بالاعتماد على مقوَّماته الذَّاتيَّة في تحديد الأنسب لمناهجه الدِّراسيَّة، وتجديد بُنيتها العلميَّة المعرفيَّة، وآليات تقديمها لطلابه واستثمارها في تکوين شخصيتهم العلميَّة القادرة على مواجهة العامة للتصدر من أجل التَّعليم والتَّوعية والإرشاد. وکذا تجديد شخصياته العلمائيَّة بما يتناسب وروح العصر الذي هو يواکبه. في دراستنا هذه اتبعنا المنهج الاستقصائي الذي اعتمدناه في استنطاق الحوادث التَّاريخيَّة والبناء عليها، مع المنهج التَّاريخي في سرد وتوثيق هذه الأحداث، وقد کانت حدود دراستنا الزَّمنيَّة مرتبطة بالقرن التَّاسع عشر ميلادي، والنِّصف الأوَّل من القرن العشرين.

الاستشهاد المرجعي بالمقال:
محمد حناي، التِّجاني مياطه، "الزَّيتونة وآليات الخطاب الدِّيني الزَّيتوني زمن العولمة".- دورية کان التاريخية.- السنة الثالثة عشرة- العدد السابع والأربعون؛ مارس 2020. ص 114 – 122.