تندرج هذه المساهمة ضمن الدراسات المنهجية في مجال التاريخ والتي تجمع بين البعد النظري والعلمي، بمقارعة المرتکزات المنهجية لمدرسة الحوليات الفرنسية بمحتويات الکتابات التاريخية المغربية المعاصرة التي ظهرت بعد سنة 1976، التي تُعَدّ منعطفًا مهمًا في تطور التاريخ الاجتماعي بالمغرب. ولهذا تم تحليل الأصول العميقة لمدرسة الحوليات، انطلاقًا من التاريخ الثقافي الفرنسي، منذ القرن الثامن عشر إلى حدود الزمن الراهن. وذلک بتحليل تفاعلاتها مع التطورات الفکرية والمجتمعية في أوربا عامة وفرنسا خاصة، وهو ما جعلها تتسم بتجدد حيوي في منطلقاتها المفاهيمية والنظرية ورؤيتها للحدث التاريخي والتحقيب والمصادر والتناهج. غير أن توسيع مفهوم الوثيقة وانفتاحها على مجموعة من العلوم الإنسانية والاجتماعية وتبني تحقيب مرن ومتعدد شکلت أهم مرتکزاتها. وانتهى الأمر برواد هذه المدرسة إلى تفکيک أسس التاريخ التقليدي وتشکيل التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي من جهة، وإلى التأثير على مؤرخي مجموعة من البلدان في العالم من جهة أخرى. ولما کانت مجموعة من الکتابات التاريخية المغربية المعاصرة تتبنى بشکل صريح، في مقدماتها، الأطر النظرية والمرجعية والمنهجية لمدرسة الحوليات وتعبر عن رغبتها في تحديث الکتابة التاريخية، فالموضوع يتساءل کذلک عن حدود التفاعل بين الطرفين، عبر مساءلتها من حيث تجليات التجديد على مستوى المواضيع والمصادر التحقيب والعلاقة بباقي العلوم، ومقاربة الإکراهات الموضوعية التي جعلت آليات الکتابة التقليدية المغربية حاضرة بصيغة من الصيغ في تلک الکتابات المعاصرة، على الرغم من التحديث الذي مس عددًا من الأسس العتيقة.

الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
محمد مُسکيت، "مدرسة الحوليات وتأثيرها على الکتابات التاريخية المغربية المعاصرة".- دورية کان التاريخية.- السنة الثالثة عشرة- العدد السابع والأربعون؛ مارس 2020. ص 89 – 104.