کانت صناعة الوِرَاقَة من أهم الحرف المتعارفِ عليها في الحضارة الإسلامية، وقد خلص تشومسکي إلى أن الکتابة تبقى الأداة الأکثر فعالية في الخطاب التواصلي والإبلاغي کونها تضمن الاستمرارية، ومنفذا إلى المتلقي مهما تباعد المکان والزمان لما کانت تنضوي عليه من رموز ودلالات، وهو ما قال به إبراهيم بن محمد الشيباني منذ القرن الثالث الهجري: "الخط لسان اليد وبهجة الضمير، وسفير العقول ووصي الفکر، وسلاح المعرفة، وأنس الإخوان عند الفرقة ومحادثتهم على بعد المسافة، ومستودع السر وديوان الأمور". ولما کان الخط هندسة روحانية آلتُه جسمانية فقد سعى محسنوه بکل الوسائل المتاحة لغرض تجويده، وإخراجه بالصورة اللائقة على أکمل وجه؛ لذا فقد تعددت الوسائل المساعدة في عمليات الکتابة وتخريج المخطوطات في صورتها الراقية. وبعد تخصص الدلالة في الترکيب اللغوي، توسعت لتشمل ما هو لغوي وغير لغوي من الرموز، والإشارات، والسمات، وهو ما أنبنى عليه ميلاد السيميولوجية کمنهج جديد في دراسة الدلالة بحيث لم تعد اللغة المحتکر الوحيد في البحث، إنما برزت أنظمة إبلاغية أخرى أهمها النظام الإشاري البصري، وبما أن الأدوات المستعملة في تأدية الصنائع کانت تحمل معان ورموز ذات دلالات خاصة، فقد أهلها ذلک لتصبح مجالا خصبا للدراسة والبحث في أشکالها ومضامينها تيمنا بمختلف الفنون التطبيقية. إن ممارسة الفنون الإسلامية يُعَدّ لقاءًا کاملًا بين إبداع الموهبة ونتاج العبقرية وبين دقة الصنعة ومهارة التنفيذ وحسن الإخراج، فهو اجتماع بين الذکاء المتقد وبين الخبرة والإتقان، وبهذا يصل الفن إلى ذروة الجمال. إن أحد العنصرين: الموهبة والخبرة قد يصل بنا إلى إنتاج فني، ولکنهما معا يصلان بنا إلى جمال فني، وهو لغة وتواصل، وقمة بلاغة التعبير الفني، والغاية التي يهدف الفن الإسلامي إلى تحقيقها، وإيصالها إلى حـس المشاهد (أي المتلقي)، وهي ارتقاء به نحو الأسمى والأعلى والأحسن أي نحو الأجمل، واتجاه نحو السمو في المشاعر والتطبيق من حيث الشکل والمضمون والنَّتاجْ، ورفضًا للهبوط.
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
بدر الدين شعباني، "أدوات الخط وآلات الکتابة: دراسة فـي سيميولـوجيـة آلات فنـون الخـط العربي والزخرفة الإسلامية".- دورية کان التاريخية.- السنة الثانية عشرة- العدد السادس والأربعون؛ ديسمبر 2019. ص169 – 185.