بدأ نمو العاطفة القومية عند مطلع القرن التاسع عشر وتمثل بحرکتين، حرکة متجهة نحو المرکز والتي دفعت بالشعوب التابعة لدول مختلفة إلى الاتحاد في دولة قومية واحدة والتي نرها في بعض الدول والإمارات الأوروبية، وقد سبَّب الاعتقاد المعروف بمذهب تقرير المصير القومي العديد من الثورات کالثورة الإسبانية والإيطالية والبلجيکية، فأصبحت القومية قوة مهمة في العلاقات الدولية، ودفع هذا بالدول الأوروبية إلى تشکيل قوة عسکرية تعمل على قمع هذه الثورات أيّنما حلت، أما الحرکة الثانية فهي حرکة مبعدة عن المرکز والتي دعت الشعوب الخاضعة للسيطرة خارجية إلى التحرر من هذه السيطرة، وهي قضية الأقليات القومية والتي نرها في الولايات التابعة للدولة العثمانية، ويجدر بنا الإشارة إلى قضية منها جيد ضرورية وهي اختلافها عن الحرکات الأوربية، فإذا کانت الکتابات الغربية في المسألة الشرقية قد عملت على دمج ما يسمى الأزمة اليونانية مع الأزمات الأوربية في البلقان وبشرق أوروبا عن الدولة العثمانية وتم خلالها اختبار التوازنات الأوروبية حول المسألة الشرقية، فالقومية في الإمبراطورية العثمانية أصلاً مستوردة فلسفيًا من غرب أوروبا لکن تطورها داخل الإمبراطورية العثمانية کان مختلفا حيث کانت بذورها وبواعثها أکثر ارتباطًا بالفکرة العثمانية عن أمة معرفة دينيًا من القومية العرقية في أوروبا الغربية، فبدأت قصة خسائر العثمانية لمصلحة القومية الجديدة في القرن التاسع عشر بالثورة اليونانية 1821م، وقد کانت أولى الحرکات الّتي حدّدت هويتها بقتل وطرد المسلمين من أرضيهم، فقدمت الثورة اليونانية نموذجًا اتبعته الثورات قومية لاحقا ضد العثمانيين، فظهرت حرکة محمد علي باشا في مصر وحاول هو أيضا الانفصال عن الدولة العثمانية وانفراده بحکم مصر والتوسع على حسابها وتکوين إمبراطورية عربية يرثها هو وأبنائها بعده، وبذلک بدأت تظهر ملامح الضعف والانهيار داخل الدولة العثمانية التي لم تعد قادرة على الحفاظ على الولايات التابعة لها.
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
فاطمة بن عيسى، "المسألة اليونانية وانعکاساتها على العلاقات الدولية في البحر الأبيض المتوسط 1821-1830".- دورية کان التاريخية.- السنة الثانية عشرة- العدد السادس والأربعون؛ ديسمبر 2019. ص48 – 62.