لابد من إيضاح أهمية نفط السودان الاستراتيجية، وأبرز ميزاته، إذ أشارت المعلومات الإحصائية الدولية إلى أنه يسبح في بحر من النفط، فبلغ الاحتياطي المؤکد 6,8 مليار برميل، ومليار متر مکعب من الغاز في عام 2010. کان أول تدشين للتنقيب عن النفط، في آب 1959، وفي عام1981 أعلنت شرکة شيفرون عن اکتشافها حوض نفطي في هجليج، وکانت تقديراتها أن تبدأ إنتاج وتصدير النفط في عام 1986، إلا أن اندلاع الحرب في الجنوب عام 1983 حال دون ذلک. على أية حال، أثمرت الجهود المبذولة في السودان إلى الإنتاج والتصدير، وهو ما تحقق في عهد حکومة الإنقاذ (1989-2019)، والتي شهد عهدها تدهورًا ملحوظًا في علاقاتها مع الولايات المتحدة التي انتهجت ضدها سياسة المواجهة، واتهمتها بانتهاک حقوق الإنسان وبالمسؤولية عن استمرار الحرب الأهلية...، وقدمت دعمها السياسي والعسکري للتجمع المعارض لها بزعامة جون قرنق، وبذلک تکون أمريکا، وشرکاتها النفطية هي التي شجعت على إبقاء النزاع في الجنوب، ولم يکن لها ما يبرره، إلا وجود النفط. وکانت الصين قد ظهرت في أواخر القرن العشرين کقوة اقتصادية کبرى في العالم، واشترکت مع الولايات المتحدة کأکبر مستهلکين للنفط، ولمواجهة حاجتها المتزايدة للطاقة اعتمدت البحث عن حصص في الحقول النفطية خارج حدودها عن طريق المشارکة أو الشراء أو التنقيب، في العديد من دول أفريقيا، ومن بينها السودان، وبدأت أول عمليات تحميل النفط في يوم الاثنين ‏30‏ آب/ أغسطس ‏1999‏ في الباخرة ثيوتيکوس، والتي غادرته إلى سنغافورة في اليوم التالي، محملة بما يقارب 615 ألف برميل من مزيج النيل. لقد تخوفت واشنطن من التمدد الصيني، ومن الوفرة المالية التي أمنتها عائدات النفط للسودان، والذي کان يواجه حربًا في الجنوب، وتوجهها شبه الکلي نحو الصين، التي وفرت لها التکنولوجيا والتمويل والسلاح الذي تحتاجه في مواجهة تلک الحرب. وبذلک أصبح النفط سببا لتدويل أزماته، بدخول أهم لاعبين دوليين: الصين التي استخرجت وصدرت، والولايات المتحدة التي نقبت وکشفت عنه، ولم تستفد منه، وسارعت إلى قراءة فداحة تأثيره في أحداث فجوة في التوازن الاستراتيجي بين الحکومة والمعارضة التي غدت عاجزة عن تحقيق نصر عسکري عليها.
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
ذاکر محي الدين عبد الله، "نفط السودان في خارطة التنافس الدولي 1999 – 2011".- دورية کان التاريخية.- السنة الثانية عشرة- العدد الرابع والأربعون؛ يونيو 2019. ص 219 – 240.