کانت ردود الفعل التي أبانت عنها قبائل المغرب على عهد الحماية الفرنسية، بمثابة تفجير لتناقضات لصيقة بترکيبة مجتمعِ مغربِ ما قبل الحماية. وعليه، فظواهر التمرد في مغرب القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي لم تکن ترتبط فقط بضغوط استعمارية أجنبية على البلاد، بل بتناقضات داخلية حکمت العلاقة بين المرکز والمحيط على امتداد فترات زمنية طويلة. وکانت سيطرة الفرنسيين على حوض إيناون بوسط المغرب وبلوغ مدينة تازة سنة 1914، قد ولد شعورًا وحماسًا کبيرًا في الجهاد عند قبائل المنطقة المناوئة لکل أشکال الأطماع الأجنبية، کما حصل في عدة جهات خلال السنوات الأولى لفرض الحماية على البلاد. وفي ضوء عوامل اجتماعية ونفسية تمکنت عدة زعامات أو قيادات محلية من کسب ثقة القبائل ودعمها بدرجات متفاوتة حسب الإمکانات والفترات. فکانت هذه الزعامات کلما أبانت عن عدم انسياقها مع تقصير السلطة في إعلان الجهاد، وعن جرأتها في تهديد قوات الاحتلال الفرنسي ومضايقة أنشطتها وتوغلاتها المجالية، کلما تقوى وزنها داخل القبائل وزادت قدرتها على إلهاب مشاعرها واستثارة نزعاتها الدفاعية. ولعل ما يثبت مکانة هذه الزعامات عند القبائل هو ما أحيطت به من تتبع استعلامي استعماري بهدف إضعافها، خاصة وأنها کانت تعتبرها آلية أساسية منشطة للعصيان (المقاومة). لدرجة أن الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب کانت ترى في هذه الزعامات داخل القبائل، خطرًا محدقًا بالأمن والاستقرار وفتيل المقاومة الأساس. وقد ظهرت هذه الرؤية الأمنية بشکل جلي مع الدعاية الألمانية في المغرب، التي استهدفت زعزعة أرکان الحماية الفرنسية بالبلاد، خاصة عند اندلاع الحرب العالمية الأولى وهزيمة فرنسا في معرکة "الهري" الشهيرة بجبال الأطلس المتوسط سنة 1914م. کلها متغيرات داخلية ودولية قوَّت من فاعلية وأدوار الزعامات السياسية ضمن قبائل منطقة تازة.
الاستشهاد المرجعي بالمقال:
عبد السلام انويکًة، "الزعامات ومقاومة القبائل للاستعمار الفرنسي في المغرب على عهد الحماية الفرنسية".- دورية کان التاريخية.- السنة الثانية عشرة- العدد الرابع والأربعون؛ يونيو 2019. ص 144 – 151.