يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على إحدى الحلقات المعتمة في التاريخ الاقتصادي للأندلس، ويتعلق الأمر بالأزمة التي عصفت بالتجارة الأندلسية خلال الفترة الأخيرة من عصر الإمارة، وذلک وفق منهج استقرائي يقوم على قراءة النصوص على ضوء الواقع الأندلسي، وربط تفاعلاته مع التحولات الدولية آنذاک، خاصة في مجال الملاحة بالحوض الغربي للبحر المتوسط. وقد رکّز البحث في المحور الأول على دراسة تجليات أزمة التجارة الداخلية، وإبراز الظرفية السلبية التي رافقت هذه المرحلة، والتي تميزت بالتشرذم السياسي، والحروب البينية التي استعرت بين الإمارات الانفصالية المتمردة على الحکم المرکزي بقرطبة، فضلا عن انعدام الأمن، مما جعل التجارة الداخلية تجارة منغلقة، ومقتصرة على سلع الاکتفاء الذاتي کما تثبت ذلک مختلف البضائع المعروضة في الأسواق التي غلب عليها الطابع المحلي في تشکيلة المبادلات التجارية الداخلية. وأبرزنا أن أهم سلعة راجت بالأسواق تجسدت في تجارة العبيد بسب الحروب الداخلية وتحول عدد من الأحرار إلى عبيد، وتسخيرهم في خدمات محلية، وأن الأوضاع المتدهورة أدت إلى هجرة التجار من الأندلس نحو مدن في الساحل المتوسطي لبلاد المغرب أو تأسيس مدن جديدة. وفي المحور الثاني الذي خصص للتجارة الخارجية، جرت متابعة تحولات الظرفية السلبية التي رافقت هذه المرحلة التاريخية، حيث تکسّرت السيطرة الإسلامية على المجال المتوسطي لصالح القوى النصرانية بسب ضعف الأسطول الأندلسي، واحتلال القوى البيزنطية لأهم الجزر والموانئ المعدة للتصدير، مما جعل البحر المتوسط الغربي يتحول إلى بحيرة بيزنطية. وأضيف إلى ذلک الحروب الداخلية والانقسامات، مما جعل تجليات أزمة التجارة الخارجية تظهر بوضوح، إذ انحسر تصدير السلع نحو الخارج، واقتصرت الواردات على سلع الترف والکماليات الموجهة للأمراء في قرطبة أو الزعماء الذين استقلوا بحکم بعض المدن، مما أسفر عن تضرر طبقة التجار الأندلسيين، وحدوث خلل في الميزان التجاري بسب غلبة المواد المستوردة على حساب السلع المصدرة.
الاستشهاد المرجعي بالمقال:
إبراهيم القادري بوتشيش، "أزمة التجارة في الأندلس في أواخر عصر الإمارة: (250 ــــ 300هـ)".- دورية کان التاريخية.- السنة الثانية عشرة- العدد الرابع والأربعون؛ يونيو 2019. ص 109 – 115 .