لقد شکل البحر الأبيض المتوسط (بحر الروم) مجالاً لنشاط ملاحي کبير، جمع بين ضفتيه: الشمالية حيث أممه النصرانية والضفة الجنوبية التابعة لدار الإسلام، ومثلما تبادلت الضفتان الحملات العسکرية المنظمة التي کانت تتم تحت غطاء الحروب الدينية المقدسة، سواء من جانب المسلمين، أو من جانب الکنيسة، فإن هذا البحر عرف نشاطًا بحريًا من نوع خاص، کثيرًا ما کان يعکر صفو فترات السلم والهدنة الهشة التي کانت تربط بين دوله في إطار اتفاقيات سلم وتجارة، إنها القرصنة أو الجهاد البحر، لقد أثارت هذه الظاهرة نقاشًا حادًا بين الباحثين قديمًا وحديثًا، فمنهم من اعتبرها نشاطًا عاديًا وأمرًا طبيعيًا، وهي قديمة قدم الملاحة البحرية، وبين من اعتبرها أمرًا طارئًا عکر صفو التنقلات البحرية والنهرية، ومنهم من جعلها آفة لصيقة بشعوب الغرب الإسلامي خاصة مع المورسکيين في مصب أبر رقراق بالمغرب الأقصى، والأتراک بالمغرب الأوسط (الجزائر)، ومنهم من جعلها خاصة بالأمة الإسلامية، والبعض الآخر عمم أحکامه وجعلها لصيقة بالشعوب المطلة على البحر، ونحاول في هذه المقالة البحث في مختلف المفاهيم والمصطلحات التي شکلت الجهاز المفاهيمي الذي تم توظيفه لنعت عملية بحرية في البحر المتوسط أنها تندرج في خانة الحروب غير الشرعية أي قرصنة/ جهاد بحري، وبذلک تکون عملية سطو منظم من قبل جماعة ما احترفت هذه العمليات البحرية، أو من قبل دولة ما رخصت لبعض رعاياها من أجل اعتراض السفن وإشاعة القلاقل. فمتى يمکننا أن ننعت عملية عسکرية بحرية بأنها عملية قرصنة؟ ومتى يمکننا أن نصف العملية نفسها في خانة الجهاد البحري؟ وما هي أهم أوکار القرصنة/ الجهاد البحري؟ ومتى کانت تنشط؟ وإلى أي حد أثرت على السير العادي للتنقلات البحرية؟ وما هي مختلف الآثار التي ترتبت عنها؟ وکيف کانت تدخل الدول في العصر الوسيط للجد منها أو على الأقل التخفيف من آثارها.
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
الطاهر قدوري، "مسألة "القرصنة" أو "الجهاد البحري" في الغرب الإسلامي: محاولة لضبط الجهاز المفاهيمي".- دورية کان التاريخية.- السنة الثانية عشرة- العدد الثالث والأربعون؛ مارس 2019. ص 144 – 156.