نَرُوم من خلال مقالنا الموالي توضيح العلاقة القائمة والممکنة بين ممارسة الغرافيتيا The Graffiti practice والثّورة التّحريريّة الجزائرية، بالنّبش في بعض مناطق الظّل والعَتَمَة للتّاريخ الاجتماعي والثّقافي والنّضالي لمجتمعنا. نجتهد في ذلک بالتَّوقف العلمي التَّأريخي عند محطّة من محطّاتها البارزة والمهمّة في ميلاد المجتمع الجديد (فترة الثّورة)، معتمدين على مقاربة سوسيوتاريخيّة لمستوى من مستويات المشهد الثّوري المحلي، وعلاقته بـظاهرة اجتماعية أصيلة، أقلّ ما توصف به بالهامشيّة بل والمهمّشة على مستوى الانهجاس البحثي المحلّي، إذ لا نجد دراسات رصينة حولها. حيث تتموضع ممارسة الغرافيتيا خلال الهيمنة الاستعمارية کأسلوب ثوري متميّز، واستثنائي، يؤرّخ للحظات الحدث التّاريخي الـمکتوب/ الـمُغَرفَت، ويُؤَرشِف "وقائع" يوميات وأساليب المقاومة الوطنية ضدّ المستعمِر، بايجابياتها وسلبيّاتها. بالموزاة مع ذلک ساهمت الغرافيتيا بکل فعاليّة في اِستنهاض واستشعار، واستثارة -بل وتصحيح- "الوعي الاجتماعي Social consciousness" بکل أبعاده ودرجاته، خاصّة السّياسيّة والثّورية منها، لدى فصيل واسع من الجزائريين قُبيل وبُعيد اِندلاع الثّورة، حيث تَکَثَّفَت الغرافيتيا بمختلف التّضاريس المجتمعيّة عبر فضاءات مغلقة ومفتوحة کالسّجون، المحتشدات، الشّوارع العامّة، الطّرقات، الأزقّة والممرّات الضّيقة (کالقصبة وباب الواد، سيدي الهواري،..). ممّا أَثقَل مختلف "الحامِلات الغرافيتيّةGraffiti supports "کالجدران، الأبواب، النّوافذ، الأعمدة، الصّناديق، جذوع الأشجار،... بـ"رسائل غرافيتيّة Graffiti messages متعدّدة المضامين، رغم مجهولية الفاعلين ومعلوميّة الرّسائل الـمُرام توصيلها للغير (القريب والبعيد)، ما جعلها أيقونات واضحة تؤشّر عن درجات وعي ثوري متميّز. وضعية استثنائية جعلت "الغرافيتيا الثّورية" ترتقي لتتموضع کوسيلة نضاليّة فعّالة ضدّ سياسات المستعمر، تندرج ضمن اِستراتيجية عامّة لاِستنهاض واستکمال تشييد "الوعي الثّوري" الوطني، باِستحفاظ واِستثبات عناصره، بکل أبعاده ودوائره ومضامينه (الجزائر، الإسلام، العربية، FLN، GPRA... بالموازاة مع ذلک ساهمت الغرافيتيا في استثارة "مقاومة Resistance" أشکال "الوعي الزّائفfalse consciousness " المستفحل والمنتشر نتيجة سياسات "التّجهيل والاستغباء المقصود" منذ ولوج المستعمر، قصد تشويه وتضليل وتکريس وشرعنة الواقع المأزوم للجزائريين، ذلک لأنّ غاية الوعي (الفردي والجماعي) هو تحقيق عملي لقيمة الحرية بانتزاعها من الـمُغتصب، وليس بالارتکان "لوَهم" التّسليم بقدرية الاستعمار والعبودية.
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
باي بوعلام، "فاعليّة الغرافيتيا الثّوريّة في اِستنهاض الوعي الاجتماعي: غرافيتيا الثّورة الجزائريّة نموذجًا".- دورية کان التاريخية.- السنة الحادية عشرة- العدد الثاني والأربعون؛ ديسمبر 2018. ص 204 – 214.