إن الرواية التاريخية بعملها على إحياء الحضارات والإشادة بالعظماء والرموز والشخصيات والقواد تترک للروائي حرية التعبير، حتى يستطيع بخياله أن ينقلنا إلى الجو الحضاري الذي تدور حوله الرواية. غير أنه من الصعوبة بمکان الإحاطة بمختلف القضايا والإشکالات التي يطرحها "تصور الرواية التاريخية" في أدبنا العربي الحديث والمعاصر، بل إن الإحاطة بمختلف الأسئلة المتصلة بالرواية العربية عمومًا، تتنوع وتتعدد بحسب المقتضيات النظرية والتعبيرية التي تخصص سؤال الکتابة وإنجازاته التخيلية. وهذا ما يجعل، دومًا، أسئلة الرواية متجددة باستمرار، ليبقى النثر الروائي، بکل تأکيد، إسهامًا معرفيًا وثقافيًا مخصبًا للرغائب والأحلام والذوات. ذلک أننا أصبحنا نعيش مرحلة مخاض فني، وذلک بعد أن تغيرت التجارب الاجتماعية على نحو مذهل، فانبرى الأدباء يتأملون الواقع الجديد بکل تعقيداته وتشابکاته وظواهره الظاهرة والخفية، مستبطنين أثناء ذلک حياتهم الإبداعية في تجاذب مع ما تحبل به الساحة الثقافية العالمية، وتراکمات التراث الأدبي العربي بهدف ارتياد آفاق غير مسبوقة، وتأصيل الفن الروائي العربي، وقد کان للواقع النقدي دور في ذلک تحفيزًا أو تمردًا. من هنا نستطيع القول إن رواية "الأمير" للروائي واسيني الأعرج تشکل مرحلة جديدة في کتابته الروائية، لأنها حاولت أن تقتحم سردًا روائيًا معقدًا، يتماهى مع التاريخ والواقع أحيانًا بشکل أکثر وضوحًا مما هو في رواياته السابقة. فهو يکاد يستمد مادته من التاريخ الجزائري الحديث في القرن التاسع عشر. ومما تقدّم، تسعَى هذه الدراسة الموسومة بــ: "الحدث التاريخي والسرد الروائي أي تقاطعات؟" لتظهير الحضور القوي للمادة التاريخية، المتمثلة في الوثائق والکتابات والمراسلات والمصادر المشهود لها في کتابات تاريخ الجزائر في تلک الفترة، وبالخصوص في تاريخ الأمير عبد القادر، فضلاً على التأکيد على أنها واحدة من الروايات التاريخية التي يلتقي فيها السرد الروائي بالسرد التاريخي، إذ يبدو فيها التاريخ الواقعي شفافًا خلف لعبة السرد.
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
شعيب مفنونيف، "بين الحدث التاريخي والسرد الروائي أي تقاطعات وأي علاقة".- دورية کان التاريخية.- السنة الحادية عشرة- العدد الثاني والأربعون؛ ديسمبر 2018. ص167 – 179.