کانت حاضرة "سَلَا" المغربية حاضرة فکر وثقافة وعرفان، عُرِفَت المدينة بتاريخها المجيد التليد، وإرثها الثقافي والحضاري الضارب في القدم، لذلک اشتغلت عليها کثير من الدراسات، فنوَّهت بأعلامها واحتفت بتاريخها الزاخر الثري. لقد کانت وما تزال مرکزًا ثقافيًا عريقًا، فکان لها قصب السبق في مواجهة کل الأخطار المحدقة بالوطن، إن قديمًا أو حديثًا. وفي ظل التغلغل الاستعماري الذي شهده المغرب مطلع القرن العشرين خاصة بعد توقيع معاهدة الحماية سنة 1912م، وقفت "سَلَا" لتُجابه المد الاستعماري، ولترد خطر الاستلاب والإغراب الذي اتخذه الاستعمار وسيلة لاختراق الثقافة المغربية الأصيلة، وضربها من الداخل. في هذا الإطار ظهرت الأندية الأدبية في سلا کفضاءات للسجال الفکري والتلاقح الثقافي، وکحراک رَامَ الاحتفاء بالثقافة المغربية الأصيلة، والتعريف بأعلامها وروادها الذين بذلوا النفيس، وقدموا للأمة تضحيات کانت سببًا في استمرار هويتها وحضارتها شامخة عظيمة. وإلى جانب الأندية الأدبية، ظهرت الصحافة کمؤسسة حديثة، کانت الوعاء وصلة الوصل بين هذا الحراک الثقافي والفکري والمتلقي المغربي الذي کان متعطشًا لاکتشاف تاريخه، والاطلاع على مفاخره ومنجزاته. لقد کانت الصحافة دليلاً على توتر معرفي وفکري شهده المغرب إبان هذه المرحلة العصيبة من تاريخه، کانت وثيقة على سريان الوعي في أوصال الأمة خاصةً رعيلها الأول. وقد عمدنا، لإماطة اللثام عن الموضوع، إلى الاشتغال على مجموعة من الوثائق التي حصلنا عليها من أرشيف المملکة المغربية بالرباط، کما أسعفتنا دراسات جادة في الموضوع في تبين إسهامات الأندية الأدبية والصحافة في تحريک الراکد إبان الحماية، وإرساء رکائز سجال ثقافي ابتغى نفض الغبار عن حضارتنا الأصيلة، أبرزها مُؤَلَّف الأستاذ الدکتور مصطفى الشليح "المعرفة/ المؤسسة/ السلطة في الثقافة المغربية بسَلَا، ومؤلف الأستاذ الدکتور "العربي واحي" المجتمع السلاوي في ظل الحماية، وغيرها من المصادر التي مکنتنا من الإحاطة بالموضوع، وإبراز أهمية هذه المؤسسات في تحصين الذات المغربية من الاختراق الاستعماري.
الاستشهاد المرجعي بالمقال:
عزيز بويغف، "الأندية الأدبية والصحافة في سلا: من إثراء الفعل الثقافي إلى مجابهة المد الاستعماري".- دورية کان التاريخية.- السنة الحادية عشرة- العدد الثاني والأربعون؛ ديسمبر 2018. ص160 – 166.