لقد دأبت الاسطوغرافيا التاريخية المتعلقة بالتأريخ للمجال المغاربي على الجانب السياسي والمعطى الحربي والشأن السلطاني وابتعدت عن المساحلة في النواحي الاقتصادية والاجتماعية التي تعد رحيق وأس الکاتبة التاريخية المعاصرة حسب ما جادت به المدارس التاريخية الراهنة، وقد قطع هذا الباب أشواطا في الأصقاع الأوربية، وخلف دراسات ثرية، وأطروحات غنية، ومونوغرافيات جزلة ومحکمة استطاعت أن تنکب على الجوانب الخفية من التأريخ للاقتصاد والفرد والهامش وغيرها من التجليات الغائرة. انطلاقًا من هذا المعطى ارتأينا تسليط الضوء على العلاقات التجارية والاقتصادية بين شمال المغرب والمغارب من خلال تتبع مساراتها ومصادرها وأهم تجلياتها من رحيق المادة المصدرية المتوفرة سواء تلک المکتوبة باللغة العربية أو التي حبرتها أيادي غربية من أجل رؤية منسجمة لفحوى هذه العلائق في مدها وجزرها. يطرح البحث في الشق الاقتصادي والتجاري بخصوص المجال المغربي جلة من الإشکالات المنهجية والمعرفية، خاصةً أن "المغاربيون" يعتبرون هذا المجال المومأ إليه مجالاً جغرافي ليست له حدود مرسومة إلى غاية الاستعمار والحماية، وإنما ينتمي إلى فلک رئيس هو "العالم الإسلامي– "دار الإسلام" مقابل العالم الغربي- "دار الکفر" مما يطرح صعوبات تتجلى في استکناه المادة المصدرية التي أرخت لهذه الفترة. إن العلاقات التجارية بين شمال المغرب والمغارب بلغت مرحلة کبيرة من الأوج والازدهار انطلاقا من العصر الوسيط کما نستشف من المصادر الجغرافية، أو الفترة الحديثة على الرغم من الصراعات التي کانت قائمة في المنطقة، وخضوع الأقطار المغاربية للسيطرة العثمانية، غير أن هذه المبادلات بلغت مکمن عظيم إبان الفترة المعاصرة وإن کان جزء من المغارب في هذه الفترة فقد استقلاله وسقط في شباک الإمبريالية الفرنسية انطلاقًا من سقوط الجزائر المدوي سنة 1830م وما أعقبها من انتکاسات شملت عموم المجال المغربي من ضغوط استعمارية وجوائح وبائية وأفات دنيوية بشکل سلطت عليه الضوء الکتابات السلطانية وما وصلنا من محطوطات تاريخية ونتف مصدرية.
الاستشهاد المرجعي بالمقال:
وليد موحن، "العلاقات التجارية بين شمال المغرب والمغارب من الفترة الوسيطة إلى التاريخ المعاصر".- دورية کان التاريخية.- السنة الحادية عشرة- العدد الثاني والأربعون؛ ديسمبر 2018. ص82 – 87.