تناول البحث تدفق الهجرات العربية إلى حوض البحيرة التشادية، وبيَّن أن جذور الهجرات العربية تعود إلى أزمنة سحيقة يصعُب الجزم في أرجحها ولکن المتفق عليه هو قِدم الهجرات العربية ومما لاشک فيه أن تواصل سکان البحيرة التشادية مع العرب نشأ منذ وقت مبکر وهو ما تعززه الشواهد التاريخية واللغوية والأثرية والواقع المعاش، وعلى الرغم من ثبوت الهجرات العربية منذ وقت مبکر والاتصال ببلاد والسودان الشرقي ومصر والجزيرة العربية في فترة ما قبل الإسلام، إلا أن تلک الهجرات لم تکن ذات تأثير کبير وواضح على سکان البحيرة التشادية وما حولها، ويرجع ذلک إلى أن العرب وقتها ولم يکونوا أصحاب رسالة، بل هدفهم البحث عن مُناخات وفُرص أفضل لسوائمهم أو لکسب عيشهم ليس کما هو الحال عندما جاءوا أصحاب رسالة يحملون عقيدة واحدة ويتکلمون لغة واحدة وينشدون أهدافًا موحدة، ويکادون يتفقون في السلوک العام المنضبط بتعاليم الإسلام، أما الدور الثقافي والاجتماعي والسياسي للهجرات العربية فيتمثل في احتضان البحيرة للثقافة العربية الإسلامية التي أصبحت مرکز إشعاع بدد ظلام الجهل ونشر العلم والحضارة الإسلامية. کما ضربت قوافل الهجرات العربية أروع الأمثلة في التأقلم مع البيئة الإفريقية والتکيف معها فقد تسرب الإسلام ومعه العربية إلى البحيرة التشادية بتدرج واعتدال، فلم يقم بقلع الناس من جذورهم، بل قدم مبادئه ومُثله للناس دون أن يجتث نُظمهم القديمة، فعايش المهاجرون العرب السکان واختلطوا بهم، فکان أن دخل الناس في دين الله طائعين مختارين أفواجا، ولم يلبثوا أن صاروا دعاة لهذا الدين الجديد في أوساط أهليهم وذويهم وجيرانهم، فکان الاستعراب نتيجة طبيعية لتلک السيادة وذلک المزج، فنشأت عربية دارجة ليست بأقل نفعًا من أي عربية دارجة تستعمل في أي دولة عربية الآن وهي بلا شک أوضح وصالحة للکتابة من أکثر تلک اللغات العامية.
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
محمد يوسف محمد، "تاريخ الهجرات العربية إلى إفريقيا جنوب الصحراء: تشاد نموذجًا".- دورية کان التاريخية.- السنة الحادية عشرة- العدد الثاني والأربعون؛ ديسمبر 2018. ص 31 – 39.