تکتسي عملية تحقيق الروايات التاريخية والمتن التراثي أهمية بالغة، لکونهما يميطان اللثام عن کثير من الروايات التاريخية التي ظلت أسيرة لقراءة أحادية، أو مخطوطات طالها الإهمال والنسيان في رفوف الخزانات الخاصة أو العامة. وبتعدد الفروع المعرفية الأکاديمية تعددت مقاربات التحقيق، وتباين معها مستوى التدقيق والتمحيص، لذلک أضحى حضور المؤرخ في هذا المجال إضافة نوعية، عبر استغلاله لحاسته النقدية ورؤيته الشمولية المحيطة بالسياق الثقافي للروايات التاريخية أو لعمليات التصنيف والکتابة. وتُعَدّ تجربة الأستاذ الدکتور إبراهيم القادري بوتشيش رائدة في هذا المجال، وتستدعي وضعها کإطار نظري يوجه الباحثين الشباب في مختلف حقول المعرفية الإنسانية عامة، وفي حقل التاريخ خاصة، سواء من حيث منهجية تحقيقه للروايات التاريخية کما هو مثبت في متن مؤلفاته حول التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والذهني للغرب الإسلامي، أو من خلال تصوره لتحقيق النصوص والمخطوطات کما يؤطره تحقيق رسالتان في الأنواء. نسعى من خلال هذه الدراسة إلى مقاربة تدرج الأستاذ الدکتور إبراهيم القادري بوتشيش من تحقيق الروايات التاريخية إلى تحقيق المتن التراثي، من خلال مساءلة تجربة المحتفى به في هذا المجال، سواء بتحقيقه لکثير من الروايات التاريخية، من قبيل قراءته للأبعاد المخابراتية لرحلة ابن حوقل تجاه بلاد المغرب لصالح الفاطميين، أو تحقيقه لخبايا رحلة يحيى بن إبراهيم الجدالي إلى الحج وربطها بالمشروع السني الساعي إلى محاصرة المد الشيعي... ومقاربة تجربته في تحقيق "رسالتان في الأنواء لعريب بن سعد وابن البنا المراکشي"، وتتبع انشغالاته ورؤيته المنهجية في کيفية التعامل مع المخطوط، خاصة وأن الباحث الأستاذ الدکتور إبراهيم القادري بوتشيش يحسب له أيضًا إدراک قيمة فتاوى ابن الحاج التي خصص لها دراسة وافية أبرز فيها القيمة التأريخية للمخطوط، فضلاً عما تعکسه مجمل أعماله المطبوعة أو المنشورة في العديد من الدوريات الوطنية من روح وقادة وإرادة لا تنکسر في التشجيع على التحقيق الرصين، وغيرة على التراث المخطوط في أفق تحديث المعرفة التاريخية.
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
أحمد الصديقي، "المؤرخون المغاربة وتحقيق المخطوط: تجربة الدکتور إبراهيم القادري بوتشيش أنموذجًا".- دورية کان التاريخية.- السنة الحادية عشرة- العدد الواحد والأربعون؛ سبتمبر 2018. ص126 – 137.