تفيدنا الرسومات والنقوش الصخرية في الصحراء الکبرى بمعرفة المغاربة القدماء للعربات الخفيفة منذ منتصف الألف الثانية قبل الميلاد، والظاهر أن استعمالهم لها في هذه الفترة المبکرة من تاريخهم إنما انحصر في الصيد والمباهاة وبعض السباقات التي کانوا يمارسونها في العراء. وباحتلال الرومان للمغرب القديم، اعتنق المغاربة القدماء ثقافة العروض الرومانية التي من ضمنها سباق العربات لمعرفتهم المسبقة بها. ولقد برع الرياضيون الأفارقة في سباق العربات حتى صارت هذه الرياضة من بين سمات الرقيّ الحضاري للمغرب القديم، وهو ما تشهد عليه مشاهد الفسيفساء ومجموعة کبيرة من النقوش والنصوص الأدبية الإغريقية واللاتينية التي عرّفتنا بأسماء الوجهاء وأعيان المغرب القديم ممن وهبوا ألعابًا ارتبطت بعبادة الإمبراطـــور وبعالم الآلهة، في حين احتفلوا ببعضها الآخر على شکل هبات وهبوها لسکان المدن والبلدات التي سکنوها وزاولوا فيها مختلف أنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية. وبذلک تکون النقوش ولوحات الفسيفساء والنصوص القديمة قد أفادتنا بالتعرف على إسهامات الوجهاء والأثرياء الخواص من خــلال تنظيمهم لسباق العربات. وعادة ما کانت هذه العروض تبدو بسيطة مقارنة بالمنافسات التي کانت تنظّمها السلطة الرومانية الحاکمة في عواصم المقاطعات وفي المدن والبلدات التي کانت تتمتع بصفة المواطنة، قبل أن يعمم آل سفيروس هذا الحق على کافة سکان الإمبراطورية الرومانية.
الاستشهاد المرجعي بالمقال:
رضا بن علال، "سباق العربات في المغرب القديم ونماذج من منافساته".- دورية کان التاريخية.- السنة الحادية عشرة- العدد الأربعون؛ يونيو 2018. ص31 – 39.