هذا المقال عبارة عن ترجمة وتعليق على تقرير نائب القنصل البريطاني في جدة عن أوضاع موسم حج 1886م. وقد قع الاختيار على هذا التقرير لأن حال الحج في هذا الموسم جاءت مکملة لجهود حج سنة 1884م والذي خرج خاليًا من الأوبئة والأمراض المعدية، وعلى وجه الخصوص وباء الکوليرا، الذي ضرب بقوة في موسم أعوام سابقة، وسيضرب في مواسم لاحقة في منتصف تسعينيات القرن التاسع عشر الميلادي، إذ يظهر لنا هذا التقرير نجاح الحکومة العثمانية، وإدارة الحجاز المحلية في المحافظة على ما تم تحقيقه في موسم 1884م، من نجاح لإخراج موسم الحج خاليًا من الأمراض المعدية. ويکمن الهدف الواضح من دراسة هذا التقرير إظهار سبل وقاية مواسم الحج من الوباء، وهذا بالتالي سيقودنا إلى معرفة أهم الأسباب التي أدت لظهوره مجددًا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. وقد جاء هذا التقرير، مفصلاً، شارحًا الضغوط التي کانت تمارسها الدول الأوربية بصفة عامة وبريطانيا على وجه الخصوص على الدولة العثمانية، لضمان سلامة رعاياها الذين يؤدون فريضة الحج. والتقرير في مجمله، تقريرًا وصفيًا يمثل وجهة النظر البريطانية في کثير من القضايا، وقد ترکز اهتمام کاتبه بالدرجة الأولى على الحجاج الهنود من رعايا الحکومة البريطانية، فافرد الکاتب جزءًا کبيرًا من تقريره لأعداد هؤلاء الحجاج مقارنة بأعدادهم في الأعوام السابقة، وکذلک بيان نسبة المتسولين من الحجاج الهنود إلى مجموع العدد الکلي لهم، کما أوضح الحالة الصحية لهؤلاء الحجاج ونسبة الوفيات فيما بينهم. وتجدر الإشارة إلى؛ أن نقص المعلومات المتوفرة التي أشار إليها الکاتب نتيجة لمحدودية قوائم أسماء الرکاب وأعدادهم المسلًمة من قادة السفن للقنصلية البريطانية أدت إلى عدم دقة إحصاء أعدادهم الواردة في التقرير، وعلى الرغم من ذلک، فإن التقرير يوفر لنا معلومات على درجة کبيرة من الأهمية، إذ أنه يمکننا على وجه التقريب من معرفة أعداد الحجاج الهنود بصفة خاصة والحجاج بصفة عامة الذين أدوا حج سنة 1886م. ويُعَدّ التقرير على درجة کبيرة من الأهمية، لمَنْ أراد دراسة تأريخ الحجاز الحديث، بصفة عامة، ودراسة مواسم الحج بصفة خاصة، إذ أن کاتبه، شاهد عيان، على أحداث حدثت في موسم 1886م ودونها في تقريره، إضافة إلى ما أورده التقرير عن الحالة الصحية للحجاج الهنود بصفة خاصة، والحجاج بصفة عامة، کما أشار التقرير إلى الحالة الأمنية لموسم الحج من خلال حديثه عن أمن الطرقات فيما بين المدن المقدسة. وألمح التقرير إلى الخلاف الذي کان قائمًا بين الوالي العثماني عثمان نوري باشا، وشريف مکة عون الرفيق؛ حين ذکر خلافهما فيما يتعلق بأمن الطرق الموصلة للمدينة المنورة من مکة المکرمة، حين نصح الوالي قادة قوافل الحج المتجهة من مکة المکرمة بسلوک الطريق البحري عبر ينبع للوصول إلى المدينة المنورة، بينما أرسل الشريف إلى رؤساء قوافل الحجاج بسلوک الطريق البري. ويجب ألا يغرب عن ذهننا أن کاتب التقرير هو نائب القنصل البريطاني في الحجاز، لذا فإن تقريره يمثل بالدرجة الأولى وجهة النظر البريطانية في کثير من الأمور التي تطرق لها في التقرير. الاستشهاد المرجعي بالمقال:
تقرير نائب القنصل البريطاني في جدة الدکتور عبد الرزاق عن موسم حج سنة 1886م/ ترجمة: هاني زامل مهنا العبدلي.- دورية کان التاريخية (علمية، عالمية، مُحَکَّمة).- العدد السادس والعشرون؛ ديسمبر 2014. ص 137– 141.