يحاول البحث من خلال الاستعانة بالمصادر القديمة والنصوص اليونانية واللاتينية تبرئة فيضان نهر النيل من کونه المسئول الوحيد عن حدوث المجاعات التي ألمت بمصر خلال العصرين اليوناني والروماني. ومحاولة إثبات أن هناک أسبابًا أخرى قد تکون الأکثر تأثيرًا في حدوث هذه المجاعات منها إهمال الحکومة لمشاريع الري، وسوء توزيع المياه وعدم توزيعها للمناطق التي لا تصلها المياه. بدليل رصد لحالات قحط لم تتبعها قياسات منخفضة لفيضان النيل، وکذلک رصد لقياسات منخفضة للنهر لم تتبعها مجاعات. لنهر النيل مآثر عظيمة على المصريين لکني لا أتصور أن المجال يتسع لذکرها وذکر الدور الذي لعبه نهر النيل في حياتهم، فقد سبقني لذلک المئات بل الآلاف من الکتاب والعلماء، ولکني سأکتفي بالإشارة إلى أن هذا النهر کان ولا زال بمثابة المعلم الأول للمصريين فهو الذي علمهم الزراعة والاستقرار وعلمهم التجارة والصناعة، علمهم أولي معاني السلطة المرکزية والطاعة، وهو الذي دفع الکهنة إلى رصد النجوم لحساب وقت الفيضان، وهو الذي أوحي إليهم بفکرة قياس العلو لمعرفة ارتفاع الفيضان ومسح الأراضي للاهتداء إلى حدود الحقول التي يمحوها الماء في کل عام، لحماية نظام التملک والفصل في خصومات الحدود، وهو الذي أوجد علم الفلک والرياضيات والحق والقانون والشرطة، مع عدم وجود هذه الأمور لدي أية جماعات بشرية خلال العصور القديمة. والسؤال الذي يحاول هذا البحث طرحه والإجابة عنه هو - هل کان منسوب فيضان هذا النهر هو المسئول الوحيد عن حدوث المجاعات في مصر خلال العصرين اليوناني والروماني ؟ أم أن هناک عوامل أخري تدخلت في مثل هذا الأمر – مثل الإجراءات التي کانت تتخذها الحکومة في أمور الري وإصلاح الأراضي وتطهير الترع والقنوات، وتوزيع المياه بالعدل بين الأقاليم ؟ وعلى الرغم من أن الإجابة قد تبدو واضحة ومنطقية وهي الاختيار الثاني، لکن ربما يحتاج الأمر لإثبات وهو ما سأحاول أن أقدمه. کما أود أن أشير إلى أن المقصود من هذا البحث ليس مجرد مسح لحالات المجاعات التي حلت بمصر خلال العصرين اليوناني والروماني بقدر ما هو محاولة لرصد أهم العوامل التي تدخلت في حدوث المجاعات، وخاصةً تلک التي لا تتعلق بنهر النيل وفيضانه. الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
السيد جابر محمد عطا الله، نهر النيل والمجاعات في مصر خلال العصرين اليوناني والروماني.- دورية کان التاريخية (علمية، عالمية، مُحَکَّمة).- العدد السادس والعشرون؛ ديسمبر 2014. ص 114 – 122.