مما لاشک فيه أن هناک العديد من المواضيع والقضايا المتعلقة بتاريخ الثورة الجزائرية لا تزال مثارًا للجدل ورهينة لمنطلقات وتصورات الکتابات الفرنسية، الأمر الذي ساعد على ديمومة الغموض والالتباس في الرؤى التاريخية الموضوعية بالنسبة لجيل کامل من الباحثين الجزائريين الذين لم يجدوا في رکام الکتابات الاستعمارية حول "حرب التحرير" سوى منظار بعين واحدة، يهدف إلى تصوير الثورة الجزائرية بشکل ينتهي بها إلى الإدانة والتقزيم، ويعتمد منطق التبرير المطلق للفعل الاستعماري عن طريق الترکيز على الجوانب السلبية في الأداء السياسي والعسکري للثورة التحريرية ويمکن اعتبار تعتبر قضية سي صالح من المواضيع النموذجية في السياق الذي أشرنا إليه. فالقضية تمثل محاولة من محاولات اختراق صفوف الثورة التحريرية في إطار المناورات التي عرفتها السياسة الديغولية للإيقاع بين طرفي قيادة الثورة في الخارج وفي الداخل، کما أنها تمثل عملية اختراق ناجحة لصفوف الثورة في الولاية الرابعة بهدف إرغامها ودفعها إلى القبول بحلول انفرادية مع السلطة الاستعمارية، من خلال استدراج قادة الولاية الرابعة، وفي نفس الوقت تشکل مرحلة من مراحل التأزم الشديد التي شهدته تلک الولاية في مجابهة الاستعمار الفرنسي في أوج اندفاعاته العسکرية في سنتي (1959 - 1960). ويمکن للباحث بعد دراسة مستفيضة لهذا الموضوع الحساس والشائک في نفس الوقت أن يدرک بأن قضية سي صالح هي نتيجة لإفراز واقع صعب فرضته السياسة العسکرية الاستعمارية الشرسة، ونتيجة لأزمة تنظيمية في صفوف أجهزة الثورة الداخلية والخارجية، وما زاد من حدة هذه الأزمة تباين التصورات العملية للساسة والعسکريين الفرنسيين تجاه الثورة، الأمر الذي کان له انعکاس إيجابي أحيانًا عندما تجاوز المهندسون الفرنسيون للقضية نفسها إلى التعامل مع الحکومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (GPRA) فأعطوا بذلک حلاً مجانيًا لمأزق عرفته الثورة ولو کلّف ذلک تضحيات جعلت القضية تنتهي بصورة مأساوية. الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
سعاد يمينة شبوط، نتائج وانعکاسات السياسة الاستعمارية الديغولية على الثورة الجزائرية: قضية سي صالح زعموم في الولاية الرابعة (1960 – 1961) نموذجًا.- دورية کان التاريخية.- العدد الثالث والعشرون؛ مارس 2014. ص 28 – 35.