تُعَد الحرکة الصليبية من أبرز الأحداث التاريخية الجديرة بالدراسة؛ لکشف حقيقتها، وإبراز معالمها، فهي تعتبر مجالاً واسعًا للدراسة والبحث؛ وذلک لتعدد جوانبها، وتزاحم أحداثها، وتعدد أهدافها، وما خلفته من نتائج بعيدة الأثر کان منها المباشر وغير المباشر على أحوال العالم بأکمله إبان تلک الفترة. وعلى الرغم من کثرة الأبحاث والمؤلفات التي تناولت الحرکة الصليبية إلا أنها لم تغطِ کل مراحلها، ولم تظهر کل خفاياها، ولا زالت هذه الحرکة ميدانًا فسيحًا، وحقلاً خصبًا أمام الباحثين من أجل إلقاء مزيد من الأضواء على کثير من جوانبها الخافية. والحرکة الصليبية تبرز حقيقة العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الوسطى في أجلى صورة، ومن هنا کان الاهتمام بدراستها کحلقة من حلقات هذه العلاقات، والتي لا تخرج عن کونها جزءًا لا يتجزأ من التاريخ البشرى، والذى يعمل الباحثون الآن على استجلائه، والوقوف على حقيقته؛ بغية الاستفادة من أحداثه ونتائجه. ومن الثابت تاريخيًا أن الحروب الصليبية - مهما تباينت دوافعها وأسبابها - فإنها تؤلف في حقيقتها أضخم حرکة استعمارية غربية امتدت إلى معظم أقطار الوطن العربي في المشرق والمغرب. إذ أنه ليس هناک من فرق بين الحروب التي دارت ضد المسلمين في الشرق، وتلک التي شنها الغرب الأوروبي ضد المسلمين في الأندلس؛ بمعنى أن الحروب في کل منها حرکتها في المقام الأول مشاعر دينية بثتها البابوية ورجال الدين. الاستشهاد المرجعي بالمقال:
محمود علي عبد الله علي، عرض أطروحة: "دير کلوني ودوره في الحروب الصليبية ".- دورية کان التاريخية (علمية، عالمية، مُحکَّمة).- العدد العشرون؛ يونيو 2012. ص 142 - 145.