يُعد الوقف من أهم نتاج الحضارة الإسلامية حيث ظهر کنظام طوعي خيري في المجتمعات الإسلامية, وقد تميز الوقف باتساع بابه المفتوح لجميع المسلمين على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم, مما جعله رکنا أساسيًا في تشکيل بنيان المجتمع الإسلامي وتکافله, إضافة إلى تحمله للعديد من واجبات الدولة تجاه الأفراد والمجتمع. ونظرًا لحرمته وضوابطه الفقهية التي حددتها الشريعة الإسلامية؛ أصبح رأسمال اجتماعي لا يخضع لآليات السوق المعروفة؛ مما ساعد على حفظ الموارد الاقتصادية ونمو عائداتها, واستمرار ريعه على الأسر وذريتها, والفقراء, والمحتاجين والعاملين عليه, وکذلک الإنفاق على المنشآت الدينية والمدنية التي يحظى بها الجميع مجانًا أو بأسعار رمزية.
ونظرًا لمکانة الأماکن المقدسة وإجلالها, فقد کان من الطبيعي أن ينال المسجد الحرام في مکة المکرمة أولوية لدى الموقفين, وتجلى هذا الاهتمام بضخامة الأوقاف وتنوعها وتعدد خدماتها التي حبسها المسلمون دولاً وأفرادًا في تلک البقعة الطاهرة. فآثرت اختيار أوقاف المسجد الحرام موضوعًا للدراسة والبحث في القرن التاسع عشر الميلادي. حين کان العثمانيون يسيطرون على شبه الجزيرة العربية بما في ذلک إقليم الحجاز, حيث تتواجد المقدسات الإسلامية.
وفيما يتعلق بوضع الأوقاف في العهد العثماني, فمن المعروف أن الدولة العثمانية سيطرت على ممتلکات شاسعة جدًا, فکثرت الأوقاف وشهدت طفرة في نموها کمًا ونوعًا. ومنذ بداية الحکم العثماني حرص سلاطين الدولة وولاتها وأعيانها, على حبس الأوقاف للحرم المکي وتخصيص ريعها لخدماته المختلفة. ومع تزايد الأوقاف وتنوعها سعت الدولة العثمانية إلى تشکيل إدارات ولجان تعني بشؤون الأوقاف؛ ومن ذلک لجنة خاصة للإشراف على أوقاف الحرمين الشريفين في عام 995هـ/ 1587م. وخلال العهود اللاحقة جرت بعض المحاولات من قبل السلاطين العثمانيين لإصلاح أنظمة الوقف والرقابة عليها إلا أنها تعثرت بسبب ضعف القوانين وقلتها وعدم تنفيذها إن وجدت.