يشهد العالم المعاصر تقدماً علمياً وتکنولوجياً وتدفقاً معرفياً هائلاً في شتى المجالات؛ حيث نتج عن ذلک تغير سريع وظهور مستجدات حديثة، وتعتبر سرعة التغيير والتطوير من أهم ملامح التحدي العلمي والتکنولوجي الذي يواجه العالم؛ لذا تبذل المجتمعات المتقدمة والنامية أيضاً تکثيف المحاولات والجهود الخاصة بتطوير التعليم، لتزويد المتعلمين بالمتطلبات المعرفية والمهارية والوجدانية التي تمکنهم من مواجهة هذه التحديات.
     فبعض الآثار الجانبية للتطور التقني والتدفق المعرفي شأنها أن تؤدى إلى التأثير السلبي على قيم بعض الأفراد والجماعات، دون وجود رصيد قيمي وسلوکي يضبط الحياة مرورا بالميل المتنامي لدى کثير من الأفراد نحو اللامبالاة بما يقترفه بعض الأفراد والجماعات في المجتمع من سلوکيات تتنافى وقيم هذا المجتمع .
     ولعل أخطر ما نعانيه الآن هو اختلال منظومة القيم في حياتنا وهي بکل المقاييس أهم الرکائز التي يقوم عليها کيان المجتمع ومقوماته. إن هذه القيم تسبق التشريعات والقوانين والسلطة؛ لأنها أولاً وأخيراً تمثل ضمير المجتمع. فإن شيوع القيم بين أفراد مجتمع ما، يعني تقدم هذا المجتمع ورقيه. إنها ضرورة لکل مواطن في عالمنا الحديث . . ما أحوجنا إلى القيم؛ لمواجهة تحديات الحياة لکل من الحاضر والمستقبل. (فاروق جويدة:2002، ص 10)
     وتعد التربية الرکيزة الأساسية لأي مجتمع من المجتمعات في سعيه لمواکبة التقدم العلمي والتکنولوجي المعاصر, ومواجهة التغيرات والأزمات والتحديات، والمحافظة في الوقت ذاته على قيمه وهويته، حيث يمکن من خلالها بناء عقول وأفکار وتشکيل وجدان الأجيال الجديدة, ويمکنها مسايرة التطورات اللاحقة ومواجهة تحديات المستقبل.وحتى تساير المناهج التطور الحادث في عالم اليوم  فقد حشدت دول العالم علمائها من التربويين والأکاديميين لتطوير مناهجها؛ تحسبا لما يحمله الغد من کل جديد ". (أحمد عبد الرحمن النجدي:2001، ص7)
     فالنظام التربوي أو التعليمي يمثل موقعاً مهماً بين مختلف النظم الاجتماعية الأخرى, ويعود ذلک إلى ما ينشده المجتمع من هذا النظام من دور مهم في صياغة الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاهتمام بتنمية القوى البشرية التي تقوم عليها رکائز المجتمع, وتشکيل أفراده فکرياً ووجدانياً وسلوکياً وتحديد العلاقات بين الأفراد ونظم المجتمع، وهو ما يقصد به التوظيف الاجتماعي للتربية في تشکيل المجتمع وأفراده. (حامد عمار: 2000، ص 90)
     لذا ينبغي على المخططين وواضعي السياسة التعليمية ومصممي المناهج: التفکير في إعادة صياغة متطلبات هذه المرحلة من حياة الإنسان وتطوير المنظومة التعليمية والتربوية للتعليم الثانوي العام, الأمر الذي يعمل على إعداد وتهيئة الخريجين لمواجهة المتغيرات الحياتية. (محمد الحبشي، وآخرون: 1999، ص 17)
     وعلم الاجتماع يمثل اليوم أحد العلوم الإنسانية التي لا غنى عنها لفهم حقائق الاجتماع الإنساني على أسس علمية واضحة, وبالتالي يتمکن الباحثون من اکتشاف جذور المشکلات, ومظاهر الوهن الاجتماعي ويکثفون جهودهم لعلاجها, ومن ثم يتحقق هدف نبيل يسعى إليه علم الاجتماع وهو خلق مجتمع دينامي يأخذ بأساليب التغير الهادف؛ أملا في الوصول إلى مرحلة التقدم الإنساني على أرسخ ما تکون القواعد. (إسماعيل عبد الباري: 1981، ص 3)
     لذلک يسعى الباحثون إلى تجريب إستراتيجيات ومداخل تدريسية عديدة في تدريس علم الاجتماع في محاولة لتنمية العديد من جوانب التعلم المهمة؛ لذا تحاول الباحثة تجريب مدخل الأمثال الشارحة في تدريس علم الاجتماع لطلاب المرحلة الثانوية, بهدف معرفة مدى تأثيره في تنمية بعض القيم الاجتماعية .
     حيث تتفق الباحثة في الرأي مع " محمد زيدان 2001 " في " أنه إذا أُحسن استخدام وتوظيف مدخل المثال الشارح في التدريس قد يتحقق – عندئذ - فوائد و إسهامات تربوية کثيرة " منها مايلي:
     1. تبسيط وتيسير المادة العلمية، وبالتالي مساعدة الطالب على سرعة الفهم .
     2. يساعد المثال الشارح في دقة الفهم و الإدراک السليم للمجردات , والمثاليات الاجتماعية, فيبرز المعقول في صورة المحسوس الذي يلمسه الطلاب .
     3. يفيد المثال الشارح – کثيرا – في توضيح المفاهيم الفلسفية والنفسية والاجتماعية بطريقة أعمق بدلا من حفظها على علاتها, حيث تزداد وضوحاً ورسوخاً في أذهان الطلاب, وتأثيراً في سلوکهم  وتصرفاتهم .
     4. يجعل المثال الشارح التعليم أبقى أثراً, لأنه يوظف المعلومات ويربط ما يدرسه الطالب بواقع الحياة .
     5. يجسد المثال الشارح بعض القيم لدى الطلاب کقيمة الحوار, قيمة التفکير الناقد، التسامح، أهمية التعاون...إلخ.
     6. يساعد في سرعة التعلم ويوفر جهد المعلم والطلاب ووقتهم على السواء ، لما يتيحه لهم من سهولة فهم وإدراک الموضوع من خلال الأمثلة الشارحة المتعددة له .
     وتتميز الأمثال الشارحة التي يمکن الاستفادة منها بتعددها، ويمکن حصر هذه الأنواع في ستة هي: " المثال القرآني, المثال النبوي الشريف, المثال الفلسفي, المثال الشعبي، المثال الشعري والمثال الحياتي ". (محمد زيدان: 2001 ، ص 26)