يُعَدُّ تَوظِيفُ الألوانِ فِي شِعرِ شُعراءِ العَربيَّةِ مِن الخَصَائِصِ المُمَيِّزةِ لَهُ، معَ مَا يَتمَيَّزُ بهِ مِن خصَائصَ أُخَرَ تنضافُ إلَى تِلکَ الخَصِيصَةِ، ولکنْ لِمَا لتَوظِيفِ الألوانِ مِن أَثَرٍ بالغِ الأهميَّةِ فِي تَزيِينِ النَّصِّ الشِّعريِّ، وبَيَانِ حَقِيقَةِ مَا اشتملَ عَلَيهِ مِن مَعَانٍ مِفتاحِيَّةٍ، يَغرقُ النَّصُّ بِدُونِهَا فِي قامُوسٍ خِضَمٍّ مِن مجهُولِيَّةِ المَعنَى، کانَ الانمِيازُ بَينَهَا وبينَ غَيرِهَا مِن الخَصائصِ الَّتِي تَمتَّعَ بِهَا النصُّ الشّعريُّ بارزَ الوَقْعِ فِي التَعامُلِ معَهُ عِندَ التَّحلِيلِ .
ذَلِکَ إلَى مَا يُشَکِّلُهُ مِن إضَافَةٍ إلَى الصُّورَةِ الشِّعريَّةِ مِن أبنِيَةٍ تُعِينُ عَلَى استکناهِ مغازيِ النصِّ، وسَبْرِ أغوارِهِ، وتحدِيدِ معاييرِ تقييمِهِ الفَنِّيَّةِ.
مَعَ مَا تُعبَّرُ عنهُ مِن خِلالِ ضِّمَّها إلَى الانزياحاتِ البَلَاغِيَّةِ الِّتي تعملُ بَوصفِهَا غُلافًا لَهَا؛ لِتجسيدِ المعانِي المُتخيَّلَةِ والمُتَوَهَّمَةِ، فِي هيئَاتٍ مَاثِلَةٍ تُمَکِّنُ النَّاظِمَ مِن إبرازِ أغراضِهِ واضِحةَ المَعالِمِ، وَتُعِينُ المُتَلقِّي عَلَى فهمِ النصِّ وتحلِيلِ کُلِّ ضَمِيمَةٍ فِيهِ.
وانطِلاقًا مِن هذِه المُحَايثَاتِ عَــنَّ لِي تَنَاولُ بعضِ المُختَاراتِ الشِّعرِيَّةِ لِأحدِ شُعَرَاءِ الأندَلُسِ بِالتَّحلِيلِ وَفْقَ مَنهَجٍ أُسلُوبيٍّ، مُقتَصِرًا مِنهُ عَلَى إظهارِ جَلالِ التَّوظِيفَاتِ اللَّونِيَّةِ بِدَورِهَا عُنصُرًا فَاعِلًا مِن عَناصِرِ تَکوينِ الصُّورَةِ الشِّعريَّةِ، وجُزءًا مِن أجزاءِ البِناءِ السَّيَاقِيِّ لِلمُفرداتِ المُعجَميَّةِ، وَمِعيَارًا مِن مَعايِيرِ التَّحلِيلِ النَّصِّيِّ الألسُنيِّ.