يُعدّ التناسق في الکلام على نمط متناسق في الحرکات والوقفات بتتابع وانسجام مطلبًا للجرس الموسيقي، وذلک عن طريق الانسجام الذي لا يوجد فيه وقفات عارضة تشعر بخلل طارئ، وجرس الألفاظ هو الموسيقى اللفظية والتناغم الإيقاعي، والإيقاع الداخلي للألفاظ هو سر تمايزها، ويعود التمايز في الأشعار إلى مقدرة الشاعر الفنية في اختيار الکلمات ومدى تلاؤمها مع نظيراتها، والبحتري شاعر جزل، اعتنى بشعره وعاصر کبار الشعراء واستطاع مجاراتهم؛ بل التفوق عليهم أحيانًا، ويعود ذلک إلى تمايز الخاصية الشعرية عنده، والشاعر في قصيدته السينيّة استخدم المحسنات البديعية، والموسيقى، والأساليب، وأجاد في صياغة الألفاظ عبر تشکيل فني من طراز فريد، فکانت فاعلية الجرس الموسيقي وإيقاعه أنموذجًا مايزًا في رسم اللوحات الأربع التي تتبعت فيها تلک الظاهرتين، فلوحة الشکوى لها ألفاظها الخاصة وجرسها، ولوحة الرحلة لها إيقاعها ومدلولها، وکذلک لوحة وصف الإيوان الذي طغى على طبيعة النص وبه سُميّت، وختامًا اللوحة الخمرية، فکل لوحة لها سماتها الخاصة بها، وهذه المقدرة الفنية لا تتأتى إلا لحاذق عارف بخبايا الشعر ودهاليزه، وبرغم تعدد اللوحات في النص، إلا إن النص متماسک ويتميز بالوحدة وقوة السبک وحسن الصياغة والانسجام التام.