يهدف البحث إلى کشف جماليات السرد النسوي في الأدب العربي القديم، والذي استبعد طوال التاريخ عن مرکزية الثقافة کما شهد تمييزا ضده يصعب إغفاله في المجالات کافة، فالآداب العربية القديمة شعرية وسردية کانت تموج بصور المرأة الجارية، التي اقتصر دورها على تقديم المتعة للرجل، فهي موضوع للذته، وندر أن جرى الاهتمام بها خارج هذه الوظيفة النمطية الموروثة.
ولکن ظهرت على الساحة الأدبية بعض الدراسات التي عکست هذه الصورة، وکشفت دور المرأة الأدبي، والثقافي في السرد العربي، ومن هذه الدراسات دراسة عبد الحي الحوسني (نثر المرأة من الجاهلية إلى نهاية العصر الأموي) وکتاب إنغام زعل القيسي (جماليات السرد النسوي في أحاديث بن دريد دراسة في الرؤيا والتشکيل). والبحث الذي نحن بصدده هو دراسة تروم کشف جماليات السرد النسوي في کتاب بلاغات النساء لابن طيفور، وذلک من خلال استقراء النصوص المتعلقة بالنسوة، أي التي تکون في إطار الخطاب النسوي بعيدا عن الهيمنة الذکورية للغة، وللخطاب (وفيما يخص نوع الکتابة السردية ينبغي التفريق بين کتابة النساء، والکتابة النسوية، فالأولى تتم بمنأى عن فرضية الرؤية الأنثوية للعالم وللذات إلا بما يتسرب منها دون قصد، وقد تماثل کتابة الرجل في الموضوعات والقضايا العامة، أما الثانية فتتقصد التعبير عن حال المرأة، استنادا إلى تلک الرؤية في معاينتها للذات وللعالم).
لذلک انطلق البحث ليدرس مفهوم السرد النسوي في مبحثين الأول منهما يکشف ثلاثة محاور تتمحور حول علاقة المرأة بالخطاب السردي: 1ـ المرأة الفاعلة للخطاب السردي المرکزي. 2ـ المرأة المحرکة لثنائية السرد (المرأة والرجل). 3ـ المرأة المتلقية الناقدة. حيث کشف البحث من خلال هذه المحاور خلفيات الفکر النسوي، والاستقلال في خطابها عن الذکورة. أما المبحث الثاني فقد تناول الموضوعات والقضايا التي تشکلت حول السرد النسوي، وهي: 1ـ صورة المرأة السياسية (الخطابة). 2ـ صورة المرأة العالمة. 3ـ صورة المرأة الواعظة. ولعل هذا البحث يقدم أمثلة تؤکد أن السرد النسوي قد أغنى، وأثرى مدونة السرد العربي القديم بعد (عمر مديد من الحکي والاقتصار على متعة الحکي وحدها... إذ لم يعد الرجل هو المتکلم عنها والمفصح عن حقيقتها وصفاتها کما فعل على مدى قرون متوالية).