ضم القرآن الکريم بين دفتيه کنوزاً جليلة وأسراراً في شتى العلوم والمعارف، وقد مهَّد السبيل في کل عصر للوصول إليها والوقوف على بعض أسرارها ودقائقها، فجاءت البحوث في القرآن الکريم متنوعة متعددة بتعدد المعارف والاتجاهات کاشفة عن عظمة هذا الکتاب المقدس، وأثره البالغ على الناس أجمعين. ومن المباحث اللغوية التي حظيت بقسط وافر من البحث والدراسة في اللغة والقرآن الکريم ظاهرة الجمع المکسر أو جمع التکسير، لما لها من أثر کبير، من ناحية المستوى الصرفي ومن ناحية المستوى الدلالي وارتباطها بالسياق، الذي قد يفرض نوعاً معيناً من الجموع، لا يؤدي المعنى، أو يفهم المقصود إلا به، أو من خلاله ولقد کان من فضل الله على أن هداني إلى اختيار موضوع وثيق الصلة بالدراسات القرآنية والعربية على حد سواء، وهو "ما له صيغتان من جموع التکسير في القرآن الکريم دراسة لغوية"، وقد تناول البحث أثر القرآن الکريم في العربية ومدى أهميته للغتنا العربية، وفکرة العدد في اللغات الإنسانية، والجمع وأقسامه، وجمع التکسير، وأهميته في الدراسات اللغوية، وآراء العلماء فيه، کما تناول البحث أيضا الألفاظ التي وردت في القرآن الکريم على صورتين فأکثر من جموع التکسير، والمفرد فيها واحد، مثل إخوة وإخوان، وأسرى وأسارى، أسورة وأساور، ألوف وآلاف، والبحار والأبحر، و حُمُر وحمير، ذکور وذکران، وخلفاء ـوخلائف، وشداد وأشداء، وشهداء وشهود، وأشهاد، وأنفس ونفوس، فجمعتها من سور القرآن الکريم وقمت بترتيبها ترتيباً معجمياً أبجدياً وأصلتها تأصيلاً لغوياً من مصادر اللغة المختلفة وکتب التفسير ومعاني القرآن الکريم وإعرابه.   وکان من النتائج التي توصل لها البحث أن  جمع التکسير کثير الاختلاف والتداخل، ولا يکاد يسلم فيه بناء من هذا، وقد جاءت الأمثلة القرآنية في بعضها مصورة لهذا التداخل، حتى اعتبار القلة والکثرة حداً فاصلاً في أبنية الجموع من الناحية الدلالية أمر يصعب القطع به، کما يهتم القرآن الکريم غالباً بإفراد کل صيغة من صيغ جمع المفرد بمعنى خاص، سواء توافقت في معنى القلة أو الکثرة أو اختلفت، وإن کانت في الأصل يجمعها المعنى العام للمفرد، وهي خصيصة في الاستعمال القرآني من جهة إيثار جمع ما بدلالة معينة، وقصر آخر على دلالة أخرى.