تمتلک السيرة الشعبية تقاليد نصية لافتة، تحتاج إلى تحليل عميق ومتسع، يتخذ مساره من خارج النص إلى داخله والعکس. وقد حاول هذا البحث أن يشير إلى أن التقاليد النصية لا تقف إزاء أداء النص وسياقاته المعلنة، وتلقيه، وإنما ثمة تقاليد ترتبط بالنوع الأدبي نفسه، وبالتالي فقد حاول البحث أن يقف إزاء بعض من هذه التقاليد التي کان يُنظر إليها على کونها محض مصطلحات أو کلمات دالة.           تحوي السيرة الشعبية زخمًا من المصطلحات التي يمکن أن تشکل أرشيف النص، يتطلب هذا الأرشيف تحليلًا ثقافيًا ضافيًا يضيق به مقام هذا البحث، ولذا قام هذا البحث بتقصي مصطلحات محددة بوصفها نموذجًا دالًا على أرشيف النص والتقاليد التي ينتجها النص عبر تداوله وإنتاجه إبداعيًا. تمحورت هذه المصطلحات حول النوع (السيرة)، والشاعر/ الراوي/ المبدع، المقام/ السياق. وقد أفضى التحليل الثقافي إلى أن هذه المصطلحات، وهي نماذج من أرشيف النص، تعد في ذاتها تقاليد مرعية أثناء إبداع النص وتلقيه وسيرورته. إضافة إلى کون هذه التقاليد امتدادًا للثقافة العربية التي خرج من رحمها النوع، وأن سلطة النص التي تتجلى في تواتره وتلقيه والحرص على استمراريته مستمدة من قوة اتصالها بثقافتها الرئيسة، التي تمنح النوع سمته وتقاليده. وقد اتضح هذا في معالجة البحث لمصطلح السيرة، وکيف أنه اختص بالثقافة العربية، وارتبط بأنواع قولية بعينها، فاقترن مصطلح السيرة بالمجال الديني، ثم انتقل بعد على الإبداع التقليدي بعد أن ارتضته الجماعة الشعبية مصطلحًا دالًا على نوع أدبي تقليدي له من الخصائص النوعية والبنائية ما للسيرة في مجالها الديني من خصائص.           کما أفضى تحليل راوي السيرة/ شاعر السيرة إلى دلالات ثقافية أبانت عن اقترانه بالشاعر العربي وطرائق إبداعه للقصيدة، إذ ثمة توافق في عملية الإبداع والتواتر وهو أنه يعتمد الشفاهية آلية تأليف ونقل وحفظ. وربما هذا الذي أسهم في إطلاق صفة الشاعرية على راوي السيرة الشعبية. وقد کان للسياق حظه من التحليل فعرج البحث على السياقات التي تنشد فيها السيرة الشعبية وآلياتها وصنوفها.           يبقى القول إن السيرة الشعبية بخاصة والإبداع التقليدي في حاجة إلى مزيد من التقصي والتحليل القائم على الاعتراف بخصوصيته الثقافية وخصوصيته الإبداعية، إذ إننا في حاجة إلى قراءات تمکننا من الاتصال بتراثنا الثقافي والإفادة من عناصره في عالمنا الحديث.