کانت مدينة مکة المکرمة البوتقة التي صهرت شعوب العالم الإسلامي على رقعة أرضها المبارکة ، وصار أهلها يمثلون الشعوب الإسلامية بملامحهم ، وعمرانهم ، ولباسهم ، ومطعمهم ومشربهم ، وسائر شؤون حياتهم. إن الهدف الذي ننشد تحقيقه من هذه الدراسة هو ابراز ملامح الشخصية الحضارية الفريدة لمدينة مکة المکرمة من خلال عرض الخصائص الحضارية المادية وغير المادية في المجتمع المکي من منظور جغرافي ، حيث سيعنى البحث بابراز اثر تمازج الحضارات المختلفة على اللاندسکيب الحضاري لمدينة مکة المکرمة من قبل البعثة النبوية وحتى وقتنا الحاضر .     لقد اعتمدت الدراسة على المنهج النوعي الاثنوغرافي التفاعلي القائم على الملاحظة بالمشارکة وتحليل الوثائق، و التحليل الاستقرائي للبيانات لوصف وتحليل وتفسير ثقافة المجتمع المکي في الماضي والحاضر بالاعتماد على المعلومات المدونه بالوثائق المحفوظة والسجلات والکتب ، إضافة إلى المعلومات المستقاه من الصور الفوتوغرافية باعتبارها وثائق مهمة في هذه الدراسة ، للوصول إلى إجابة على التساؤلات التالية : لماذا تشکلت الثقافة المکية بهذا القالب الحضاري؟ وکيف تحولت مدينة مکة المکرمة إلى بيئة للتفاعلات الحضارية تأثرت وأثرت في الثقافات الأخرى التي ذابت وانصهرت مکونه الشخصية الحضارية الفريدة للمدينة المقدسة ؟   أکدت مباحث الدراسة على عمق تأثير الظروف التاريخية التي مر بها المجتمع المکي في تشکيل النمط الثقافي السائد ، فالمشهد الحضاري للمدينة محصلة موجات ثقافية متراکمة من عمليات الإنتشار المکاني ثنائية الاتجاه منشأها مکة ونهايتها مکة ومجال تأثيرها العالم عموماً والعالم الاسلامي على وجه الخصوص .   وتأمل الباحثة أن توفق الدراسة في إلقاء الضوء على العناصر الحضارية التي تؤکد عراقة الحضارة المکية وثقافتها العالمية الموغلة في القدم ، وبالتالي ابراز الصورة المتألقة لحضارة بلد الله الحرام أمام الحضارات العالمية الأخرى .