يجد المستخدم لشبکة الانترنت ولبعض المجلات العلمية والثقافية عدد من المنشورات التي تخص عاصمة العالم الاسلامي مکة المکرمة، تحاول أن تصف على الساحة الجغرافية مکانة هذه المدينة التي شرفها الله ببيته العتيق بأنها مرکز العالم، وذلک من أجل هدف مؤکد ونبيل هو في جعل الانسان المسلم يستشعر أهمية مکة المکرمة الجغرافية على خريطة العالم ويستشعر موقعها على سطح الکرة الأرضية الذي أراده الله لها. وذهب عدد من علماء اللغة إلى أن سبب تسمية مکة بهذا الاسم هو أنها وسط الأرض، يقول الزبيدي في کتابه تاج العروس* « وقيل: إِنَّ مکة مأَخوذة من المُکاکَةِ وهي اللّبُّ والمُخُّ الذي في وَسَطِ العَظْمِ، سمِّيَتْ بها لأنَّها وَسَطُ الدُّنْيا ولُبُّها وخالِصُها», ويقول في موضع آخر مبيناً سبب تسمية مکة بأم القرى: «وأم القرى مکة - زيدت شرفاً- لأنها توسطت الأرض کما زعموا. وتتسم هذه المنشورات بالوصفية ولا يرقى العديد منها الى صفة البحث العلمي لکونها تحمل أفکارا غير مؤکدة ولا تقدم التفسير المناسب لها داخل الدراسة، وخاصة عندما تهدف هذه الأعمال الى جعل موقع مکة المکرمة بمرکز العالم أو احلال موقعها في مرکز اليابس أو أحيانا في مرکز المعمورة، وهناک من قال بأنها مرکز القارات قبل وبعد انسياحها أو زحزحتها حسب نظرية فاغنر المشهورة في تکتونية الصفائح. ونلاحظ غياب أية مرجعية رياضية جغرافية لهذه الأدبيات أو اعتمادها على طرق جيدة البيان تستند على منهجية معروفة. وتقوم هذه الفئة من الکتاب في کثير من الأحيان باستلال الفکرة العامة المتمحورة حول مرکزية مکة المکرمة للکون أو للعالم من مرجع أو من کتابات مختلفة الأصول والفکر لتبني عليها نصا" دينيا" يتعلق مستوى دقته أحيانا" بدرجة عمق المعرفة الدينية لدى هذا الکاتب، أو بالبناء على الفکرة المستلة بعد اضافة مجموعة جديدة من الأفکار الثقافية العامة دون اعتماد أي أساس رياضي من أسس الرياضيات المکانية، ويجب هنا تقدير واجلال البحوث والتفسيرات الدينية الهامة والمتوفرة في عدد من المصادر التي سيتم تأکيدها والبرهنة عليها بواسطة الرياضيات المکانية. ومن أجل ذلک ستستخدم أقوى وأنسب الأدوات المعروفة حتى الآن وهي نظم ال GIS، وکذلک المفاهيم العلمية الناتجة عن تطبيق النماذج الرياضية المختلفة للتعرف على المسافات بين مواقع مدن العالم وموقع مدينة مکة المکرمة. وليس الهدف التأکد من مرکزية المدينة المقدسة بل ولإجراء ما أمکن من تحليلات مکانية تتيحها النظم الحديثة لإظهار مختلف خصائص موقع مکة المکرمة الذي أراده الله سبحانه. وهنا نتصور الأفق العريض الذي يرتسم أمام هذا العمل لتقديم نتائج رفيعة ودقيقة في مستواها العلمي تتعلق بموقع مکة المکرمة مما سيقوي من مکانتها في مرکز قلوب المسلمين، بشکل متناسب مع الأهمية المتأتية من موقعها على سطح الأرض. وفي هذه الأثناء لا يمکن اعتبار هذا العمل القائم على المفاهيم الأساسية للرياضيات المکانية إلا عملا أوليا يهدف الى ضرورة متابعة نبش الحقيقة في فهم اسرار الله في جعل البيت العتيق في هذا الموقع الجغرافي، ذلک أن الانسان ما أوتي من العلم إلا قليلا ولأن غايته وهدف حياته على سطح الأرض هو في اکتشاف قوانين الله وفهمها ذلک أن من يخشى الله من عباده العلماء.
* الزبيدي، محمد بن عبد الرزاق مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، طبعة الکويت، المجلد 40، الناشر الالکتروني، المکتبة الوقفية، عنوان الانترنت http://www.waqfeya.com/book.php?bid=468