يُعنى هذا البحث بدراسة تقارير البعثات الاستکشافية وعلاقتها بتطور علم الجغرافيا في مصر البطلمية خلال القرن الثالث ق.م.، ويتناول فيه الباحث بالدراسة والتحليل ثلاثة عناصر رئيسية، يتمثل العنصر الأول في إبراز اهتمام الملوک البطالمة بتطور علم الکشوف الجغرافية خاصة، وإلقاء الضوء على الجهود التي بذلها هؤلاء الملوک لمعرفة أفق المناطق المأهولة غير المعروفة لهم؛ وذلک في سبيل تحقيق نهضتهم العلمية والعسکرية والإقتصادية، ويتناول العنصر الثاني شرحا للتقارير التي قامت بها مختلف البعثات الاستکشافية التي أرسلها الملوک البطالمة الأوائل إلى مناطق أعالي نهر النيل أو المناطق الواقعة غرب البحر الأحمر؛ بالإضافة إلى وصف مهارتهم وتميزهم في تحقيق الأهداف المنشودة، وبالرغم من فقدان مؤلفاتهم إلا أن تأثير مجهوداتهم انعکس على مختلف الجوانب الحضرية للمجتمع البطلمي المحلي والعالمي، أما العنصر الثالث فيأتي لکي يبرز أهم النتائج التي ترتبت عن هذه الجهود الاستکشافية في اثراء النواحي العلمية والعسکرية والاقتصادية، مما أدى إلى المساهمة الواضحة في التطور الحضاري لمصر البطلمية خلال القرن الثالث ق. م.، فلقد حرص الملوک البطالمة منذ بداية حکمهم لمصر على إرسال البعثات الاستکشافية إلى المناطق المجهولة بالنسبة لهم، وکانت تقع هذه المناطق بأعالي نهر النيل وکذلک بالمناطق الجنوبية لساحلي البحر الأحمر وخليج عدن، وتباينت الأغراض التي کان يهدف الملوک البطالمة إلى تحقيقها؛ ما بين استکشاف أراضيها أو معرفة طبيعة سکانها أو الاستفادة من موارد ومنتجات هذه المناطق، للمساهمة في التطور الحضاري لمصر البطلمية؛ وفي هذا الصدد لعبت تقارير الکشوف الجغرافية التي قدمتها هذه البعثات الاستکشافية الکثير من الأدوار الهامة في تحديد وتعريف أفق العالم المأهول والمجهول للبطالمة آنذاک ، مما أثر على تطور علم الجغرافيا، وظهر ذلک في مؤلفات الجغرافيين الذين ازدهرت أعمالهم في القرن الثالث ق.م. ومن جاء بعدهم، وکذلک تطوير أساليب التسليح بالجيش البطلمي، علاوة على إنشاء طرق تجارية جديدة بهذه المناطق أو فرض السيطرة على الطرق القديمة للتحکم في سهولة التواصل مع المناطق التي تم استکشافها، وتيسيير مهمات النقل منها إلى الموانئ المصرية والعکس.